Search
Close this search box.

لماذا يأذن الحسين (عليه السلام) لأصحابه بالتفرق عنه؟

لماذا يأذن الحسين (عليه السلام) لأصحابه بالتفرق عنه؟

لماذا أجاز الإمام الحسين (عليه السلام) لأتباعه وأصحابه الذين خرجوا معه وانضموا اليه أن يتفرقوا عنه وهو في أمس حاجة إلى الاستكثار من الأعوان تحقيقاً لما طلب من الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص)؟

والجواب أن الحسين (عليه السلام) لا يطلب غايته وهدفه من خلال خداع الجماهير والتغرير بهم واغفالهم عن حقائق الأمور وواقع الحوادث ورفع الشعارات الكاذبة والدعايات المضللة، مثله مثل أبيه الإمام علي (عليه السلام) الذي رفض الخلافة يوم الشورى لما توقف حصولها على كلمة كذب واحدة حيث قيل له نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وعلى سيرة الشيخين، فقال (عليه السلام): كلا بل على كتاب الله وسنة رسوله فقط، وكان (عليه السلام) يسعه أن يقول نعم وينال الخلافة ثم يسير بعد ذلك حسب كتاب الله وسنة رسوله لا غير ولم يكن ملزماً بالشرط الأخير شرعاً، لأن سيرة الشيخين إن كانت موافقة لكتاب الله وسنة رسوله فهي داخلة في الشرط حتماً وإن كانت مخالفة لهما فلا يجوز للمسلم أن يعمل بها… ولكن الإمام (عليه السلام) مع ذلك كره أن يقول لشيء نعم وهو يعلم من نفسه أنه لا يلتزم به وبذلك فوت الخلافة على نفسه مدة اثني عشر سنة تقريباً وهي مدة خلافة عثمان بن عفان.

فسياسة الحسين (عليه السلام) هي بعينها سياسة أبيه علي (عليه السلام) وجده النبي (ص) وهي سياسة الإسلام والحق التي ترتكز على الصراحة والصدق والواقعية وتأبى الكذب والانتهازية واللف والدوران.

ثم بعد مضي الإمام الحسين (عليه السلام) إلى وجهته ومن بعدها ظهر انقلاب اتجاه أهل العراق ولم يبق هناك أمل في انتصاره بهم على الأعداء ومن ثم تم قتل سفيره مسلم بن عقيل (عليه السلام) وقتل رسوليه عبد الله بن يقطر وقيس ابن مسهر الصيداوي رحمهما الله تعالى، عند ذلك تغير مجرى الثورة السابق وتحولت من حرب هجومية متكافئة وجهاد منظم إلى حرب فدائية استشهادية ليس فيها أمل في الانتصار العسكري وإنما المقصود منها التضحية والشهادة لغرض التوعية وتنبيه الرأي العام ولفت الأنظار إلى حقيقة الحكم القائم وواقع الزمرة الحاكمة وعزلهم عن الأمة المسلمة فيحبط بذلك مؤامراتهم العدوانية ضد الإسلام ومصلحة المسلمين. قال العقاد: “وعلى هذا النحو تكون حركة الحسين (عليه السلام) قد سلكت طريقها الذي لا بد لها أن تسلكه وما كان لها قط من مسلك سواه… حيث وصل الأمر إلى حدٍ لا يعالج بغير الاستشهاد”.

لذا فقد كره الحسين (عليه السلام) أن يترك أتباعه غافلين عن هذا التطور وجاهلين لهذا التحول المصيري الهام خوف أن يباغتوا بالمصير الذي لا يرغبون فيه فيسلموه عند الوثبة، ويهزمون من الميدان عند اللقاء ويتفرقون عنه ساعة بدء المعركة. وفي ذلك وهن كبير يصيب معنوية القائد ويضعف مقاومة المخلصين من أصحابه. وإن تلك الاجازة لهم بالانصراف إذا شاءوا كانت من الحسين (عليه السلام) بالنسبة لهم أولاً للاختيار والامتحان، وثانياً بمثابة غربلة ليستخرج الزبدة منهم وهم نيف وسبعون رجلاً وقد بلغوا إلى ليلة عاشوراء إلى ما يقارب الثلاثمائة رجل كل منهم فدائي مخلص للحسين (عليه السلام) بايعوه على الموت واختاروا الشهادة على الحياة والقتل على البقاء في الدنيا… ولقد اختبرهم مراراً فما وجد فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دونه استئناس الطفل بلبن أمه حسب شهادة الحسين (عليه السلام) في حقهم.

* مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب – بتصرف

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل