حبيب بن مظاهر من أكابر التابعين:
حبيب بن مظاهر الأسدي يعتبر من أكابر التابعين، وينقل انه تشرف بخدمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه أحاديث، وكان معززا مكرما بملازمة حضرة المرتضى علي عليه السلام وقد روى الطبري في تاريخه وتبعه ابن الأثير ان حبيب بن مظاهر كان من جملة الذين كتبوا الى الحسين عليه السلام لما امتنع من بيعة يزيد وخرج الى مكة. وكانت صورة الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله الا هو! أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها وغصبها فياها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الى عيد ولو قد بلغنا انك قد اقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام ان شاء الله والسلام ورحمة الله وبركاته عليك).
حبيب بن مظاهر يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام:
وفي ابصار العين: قال اهل السير جعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة حتى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذل اهلها عن مسلم وتفرق انصاره حبسهما عشائرهما واخفياهما، فلما ورد الحسين كربلاء خرجا اليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه. وروى محمد بن ابي طالب في مقتله انه لما وصل حبيب الى الحسين (عليه السلام) ورأى قلة انصاره وكثرة محاربيه قال للحسين عليه السلام، ان ههنا حيا من بني اسد فلو أذنت لي لسرت اليهم ودعوتهم الى نصرتك لعل الله ان يهديهم وان يدفع بهم عنك! فأذن له الحسين عليه السلام فسار اليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: (يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي امير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد اطافت به اعداؤه ليقتلوه، فاتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، فوالله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة، وقد خصصتكم بهذه المكرمة لأنكم قومي وبنو ابي واقرب الناس مني رحما). فقام عبد الله بن بشير الاسدي وقال: شكر الله سعيكم يا أبا القاسم! فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب! أما انا فأول من اجاب واجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب وانسل منهم رجل فاخبر ابن سعد فارسل الازرق في خمسمائة فارس، فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا عن منار لهم، وعاد حبيب الى الحسين عليه السلام فأخبره بما كان، فقال عليه السلام (وما تشاؤون الا أن يشاء الله) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بعض من مواقف حبيب في نصرة الإمام الحسين عليه السلام:
وروى الطبري انه لما نزل الحسين عليه السلام كربلاء واقبل عمر بن سعد من الغد في اربعة آلاف حتى نزل بالحسين أرسل ابن سعد الى الحسين كثير بن عبد الله الشعبي فلما رآه ابو تمامة الصائدي قال للحسين: أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شر اهل الأرض وأفتكهم فقام اليه فقال ضع سيفك فأبى قال فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم فابى ثم استبا وانصرف. فأرسل ابن سعد قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين مقبلا قال أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا ولقد كنت اعرفه بحسن الرأي، وما كنت اراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد اليه. فقال له الحسين كتب الي اهل مصركم هذا ان اقدم فاما إذ كرهتموني فانا انصرف عنهم. ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع الى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وايانا معك. فقال له قرة: أرجع الى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي.
وروى الطبري ايضا انه لما زحف ابن سعد الى الحسين عليه السلام يوم التاسع من المحرم، قال العباس بن علي اتاك القوم! فقال اركب يا اخي حتى تلقاهم وتسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم: زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فسألهم العباس فقالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او ننازلكم. قال: فلا تعجلوا حتى ارجع الى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا وانصرف العباس راجعا يركض الى الحسين ووقف أصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم ان شئت وان شئت كلمتهم، فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن انت تكلمهم. فقال لهم حبيب بن مظاهر: (أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته واهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم وعباد اهل هذا العصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا).
وذكر الطبري وابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما عبأ أصحابه يوم عاشوراء جعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة. وروى ابو مخنف وحكاه عنه الطبري وذكره ابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما خطب يوم عاشوراء الخطبة التي يقول فيها أما بعد فانسبوني فانظروا من انا الخ؟ فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول. قال له حبيب بن مظاهر: (والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وانا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك).
وروى الطبري عن ابي مخنف بسنده انه لما صرع مسلم بن عوسجة الأسدي اول أصحاب الحسين مشى اليه الحسين وحبيب بن مظاهر فدنا منه حبيب فقال: عز علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة! فقال له مسلم قولا ضعيفا: بشرك الله بخير! فقال له حبيب: لولا اني اعلم اني في اثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما همك حتى احفظك في كل ذلك بما انت اهل له في القرابة والدين قال بل انا أوصيك بهذا رحمك الله – وأهوى بيده الى الحسين – ان تموت دونه. قال: افعل ورب الكعبة.
مركز المصطفى (ص) – بتصرف