في من شهداء الطف, ذوو النبي وأهل بيته /
قرابته بالمعصوم(1)
حفيد الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وابن الإمام الحسين، وابن أخي الإمام الحسن، وأخو الإمام زين العابدين، وعمّ الإمام الباقر(عليهم السلام).
اسمه وكنيته ونسبه
أبو الحسن، علي الأكبر بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).
أُمّه
ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفية.
ولادته
ولد في الحادي عشر من شعبان 35ﻫ، أو 41ﻫ.
صفاته
كان(ع) من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خُلُقاً، وكان يشبه جدّه رسول الله(ص) في المنطق والخَلق والخُلق.
قال الإمام الحسين(ع) حينما برز علي الأكبر يوم الطف: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلَامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ(ص)، وَكُنَّا إِذَا اشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَيْه»(2).
وقال الشاعر فيه:
«لَم تَرَ عينٌ نَظَرَتْ مِثلَهُ ** مِن مُحتفٍ يَمشِي ومِنْ نَاعلِ
يَغلي نَئِيَّ اللَّحمِ حَتَّى إذا ** أُنْضِجَ لَمْ يَغلُ عَلى الآكِلِ
كانَ إذا شَبَّتْ لهُ نَارُهُ ** يُوقدها بالشَّرفِ القَابِلِ
كَيْما يَراهَا بَائسٌ مُرملٌ ** أو فردُ حيٍّ ليسَ بالآهلِ
أَعني ابنَ ليلى ذَا السُّدَى والنَّدَى ** أعني ابنَ بِنتِ الحسبِ الفاضلِ
لا يُؤْثِرُ الدُّنيا على دِينِهِ ** ولا يَبِيعُ الحَقَّ بالبَاطلِ»(3).
وقال الشيخ عبد الحسين العاملي(رحمه الله):
«جَمعَ الصِّفاتِ الغُرَّ فَهْيَ تُراثُهُ ** عن كُلِّ غِطريفٍ وشهمٍ أصْيدِ
في بَأسِ حَمزةَ في شَجاعةِ حَيدرٍ ** بِإِبَى الحُسينِ وفي مَهابَةِ أَحمدِ
وتَراهُ في خَلقٍ وطِيبِ خَلائقٍ ** وبَليغِ نُطقٍ كالنَّبيِّ مُحمَّدِ»(4).
شجاعته
لمّا ارتحل الإمام الحسين(ع) من قصر بني مقاتل، «خفق الحسين برأسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: إنَّا للهِ وإنَّا إليْهِ رَاجِعون، وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمين. قال ـ أي الراوي ـ: ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال: يَا أَبَتِ جُعِلْتُ فِدَاك، مِمَّ حَمِدْتَ اللهَ وَاسْتَرْجَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي خَفَقْتُ برأسي خَفْقَةً فَعَنَّ لِي فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَالمَنَايَا تَسري إِلَيْهِمْ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِلَيْنَا. قَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ لَا أَرَاكَ اللهُ سُوءاً، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُ الْعِبَادِ. قَالَ: يَا أَبَتِ إِذاً لَا نُبَالِي نَمُوتُ مُحِقِّينَ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَى وَلَداً عَنْ وَالِدِهِ»(5).
موقفه يوم العاشر
روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء إلّا أهل بيته وخاصّته.
فتقدّم علي الأكبر(ع)، وكان على فرس له يُدعى الجناح، فاستأذن أباه(ع) في القتال فأذن له، ثمّ نظر إليه نظرة آيسٍ منه، وأرخى عينيه، فبكى ثمّ قال: « اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلَامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ(ص)، وَكُنَّا إِذَا اشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَيْه»(6).
فشدّ علي الأكبر(ع) عليهم وهو يقول:
«أَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ** نَحْنُ وَ بَيْتِ اَللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ
أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي ** أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي
ضَرْبَ غُلاَمٍ هَاشِمِيٍّ عَرَبِيٍّ ** وَاَللهِ لاَ يَحْكُمُ فِينَا اِبْنُ اَلدَّعِيِّ»(7).
ثمّ رجع إلى أبيه قائلاً: يا أباه العطش!!.
قال له الحسين(ع): اصْبِرْ حَبِيبِي، فَإِنَّكَ لَا تُمْسِي حَتَّى يَسْقِيَكَ رَسُولُ اللهِ بِكَأْسِهِ.
ففعل ذلك مراراً، فرآه منقذ العبدي وهو يشدّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرع، واحتواه القوم فقطّعوه بسيوفهم.
وقف الحسين(ع) عليه، وهو يقول: قَتَلَ اللهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ، مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَعَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ، وَانْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا.
ثمّ قال لفتيانه: احْمِلُوا أَخَاكُم، فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه في الفسطاط(8).
استشهاده
استُشهد(ع) في العاشر من المحرّم 61ﻫ بواقعة الطف، ودفنه أخوه الإمام زين العابدين(ع) ممّا يلي رجلي أبيه الحسين(ع) في كربلاء المقدّسة.
عمره
تسع عشرة سنة على رواية الشيخ المفيد(قدس سره)، وخمس وعشرين سنة على رواية غيره، ويترجّح القول الثاني؛ لما روي أنّ عمر الإمام زين العابدين(ع) يوم الطف كان ثلاث وعشرين سنة، وعلي الأكبر أكبر سنّاً منه.
زيارته
ورد في زيارة الناحية المقدّسة للإمام المهدي(ع):
«اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلِ خَيْرِ سَلِيلٍ مِنْ سُلاَلَةِ إِبْرَاهِيمَ اَلخَلِيلِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ…حَتَّى قَضَيْتَ نَحْبَكَ وَلَقِيتَ رَبَّكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْلَى بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَنَّكَ اِبْنُ حُجَّتِهِ وَأَمِينُهُ، حَكَمَ اَللهُ لَكَ عَلَى قَاتِلِكَ مُرَّةَ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ اَلْعَبْدِيِّ لَعَنَهُ اَللهُ وَأَخْزَاهُ وَمَنْ شَرِكَهُ فِي قَتْلِكَ، وَكَانُوا عَلَيْكَ ظَهِيراً، أَصْلاَهُمُ اَللهُ جَهَنَّمَ وَسٰاءَتْ مَصِيراً، وَجَعَلَنَا اَللهُ مِنْ مُلاَقِيكَ وَمُرَافِقِيكَ وَمُرَافِقِي جَدِّكَ وَأَبِيكَ وَعَمِّكَ وَأَخِيكَ وَأُمِّكَ اَلمَظْلُومَةِ، وَأَبْرَأُ إِلَى اَللهِ مِنْ قَاتِلِيكَ، وَأَسْأَلُ اَللهَ مُرَافَقَتَكَ فِي دَارِ اَلخُلُودِ، وَأَبْرَأُ إِلَى اَللهِ مِنْ أَعْدَائِكَ أُولِي اَلجُحُودِ»(9).
رثاؤه
ممّن رثاه أبو الحسن التهامي(رحمه الله) بقوله:
حُكمُ المنيةِ في البريةِ جاري ** ما هذهِ الدُنيا بدارِ قرارِ
بينا يرى الإنسانُ فيها مُخبراً ** حتّى يرى خبراً من الأخبارِ
فالعيشُ نومٌ والمنيةُ يقظةٌ ** والمرءُ بينهما خيالٌ ساري
ليسَ الزمانُ وإن حَرِصتَ مُسالماً ** خُلُقُ الزمانِ عداوةُ الأحرارِ
والنفسُ إن رضيت بذلكَ أم أبت ** مُنقادةٌ بأزمّةِ الأقدارِ
لا تأمنِ الأيّامَ يوماً بعدَما ** غدرت بعترةِ أحمدَ المُختارِ
فجعت حُسيناً بابنِهِ مَن أشبه الـ ** مُختارَ في خَلقٍ وفي أطوارِ
لمّا رآهُ مُقطّعَ الأوصالِ مُلـ ** قىً في الثرى يذري عليهِ الذاري
ناداهُ والأحشاءُ تلهبُ والمدا ** معُ تستهلُّ بدمعِها المدرارِ
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عُمرَهُ ** وكذا تكونُ كواكبُ الأسحارِـــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: أعيان الشيعة 8/ 206، معجم رجال الحديث 12/ 387 رقم 8050.
2ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 67.
3ـ السرائر 1/ 655.
4ـ المجالس العاشورية: 304.
5ـ مقتل الحسين لأبي مخنف: 92.
6ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 67.
7ـ اُنظر: مقاتل الطالبيين: 76.
8ـ اُنظر: المصدر السابق: 77.
9ـ المزار الكبير: 488.
بقلم: محمد أمين نجف