مهندسون ونجّارون وميكانيكيون وعاملو حدادة وخراطة وكهرباء تطوّعوا جميعًا للتّشرّف بالخدمة في العتبة الرضوية المقدسة، حيث تراهم يعملون بشوقٍ في مجمّع الورش الحرفية داخل أحد المواقف الموجودة في الممرّ السفليّ للحرم المطهّر.
ويعمل نحو 1100 خادم متطوع في المجمّع الذي یضم 21 ورشة مختلفة الوظائف تسعى جميعها إلى تقديم أفضل المهارات الفنيّة بهدف حفظ سلامة الزائرين وتأمين الراحة وأفضل الخدمات لهم.
عندما ندخل مجمّع الورش الحرفية في الحرم الرضوي المطهر، يواجهنا على الفور الهواء الكثيف والضوضاء الموجودة في الممرّ السفلي. وحيثما نظرنا نجد عمّالًا يعملون بجدّ، يرتدون زيًّا موحّدًا باللّون الكحليّ، واضعين على وجوههم الكمّامات الطبيّة. وفي هذه الأثناء، يستقبلنا السيّد علي الموسوي ببشاشة، ويحدّثنا عن تجربته في الإشراف على مجموعات الحِرف لما يناهز عشرة أعوام لنتعرف من خلاله أكثر على خدمات التي تقدّمها إدارة هذا المجمع، وآلية عملها.
وعن الورش المتواجدة في المجمع یقول هذا الخادم المتطوع إن في الوقت الراهن توجد 21 ورشة عمل متنوّعة تباشر تصليح جميع أنواع الوسائل القابلة للنّقل الموجودة في الاستراحات والإدارات وسائر غرف الحرم المباركة، من طاولات وأنظمة التشغيل الصوتيّ والمرئيّ الصغيرة إلى الكراسي المتحرّكة والعربات الكهربائيّة الّتي تنقل الزوار.
وأضاف أن هذه الورش الخدميّة هي ورش للنّجارة والحدادة والتدهين والخياطة والخراطة والميكانيكا والتّكييف والتّبريد والإلكترونيات وإمدادات الكهرباء وتصليح الكراسي المتحرّكة وكذا سائر الأدوات الكهربائيّة وصناعة إشارات الطّرق وعلامات الأماكن وغيره الكثير.
مناوبة أسبوعية لخدمة الإمام الغریب
وعن کیفیة العمل أوضح الموسوي أنه لدينا ألف ومئة خادم حرفيّ يعملون بنظام التطوّع، بينهم مهندسون ودكاترة إلكترونيات ومعلمو الحرف والعمال، وهم يعملون في ثمانية مناوبات دوامية، من الساعة السابعة صباحًا إلى السابعة ليلًا.
وفي تكملة جولتنا، التقينا خادمًا يعتمر العمامة الخضراء، والعرق يقطر من جبهته من فرط التعب. إنّه السيد أكبر سيدي علي رضائي، الذي يعمل في مجال تصنيع وتركيب زجاج عربات نقل الزوار، وكان قد انتهى للتوّ من تركيب زجاجة إحدى العربات.
وعن خدمته في مجمّع الورش الحرفية لثلاث سنوات یؤکد الخادم علي رضائي أن نعمة جِيرة الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) واحدة من أكبر النعم التي شرّفنا الله بأن كانت من نصيبنا. مع هذا كلّه، فإنّ نعمة الخدمة في الحرم المطهر لَهي نعمة أكبر، والحمدلله أن وفّقت للحصول على شرف الخدمة ليوم في الأسبوع.
خدام قسم الخیاطة
وعلى وقع صوت الماكينات، دخلنا ورشة الخياطة، وألقينا التحية على الخدم الجالسين خلف طاولات الخياطة يعملون بلا كلل في خياطة مختلف الألبسة واللوازم. فيما وجدنا اثنين من الخدم وسط الورشة يقومان بتنجید كراسٍ للزائرين.
وقد حدّثنا حميد رضا استيري وهو أحد الخدّام في الورشة عن تجربته في العمل التطوعي بالحرم، وقال: أنا أقوم هنا بتصميم الستائر، بحكم خبرتي الطويلة وتخصصي في مجال التصميم الداخلي والديكور.
وأضاف استيري أن الخدمة في هذا المجمع لا يمكن مقايستها بأي عمل آخر، فهي نابعة من عمق محبة الشخص لمولاه الرؤوف (عليه السلام). قد لا أبالغ إذا قلت إنّنا هنا، وحتى في أحلك الظروف الصحية التي فرضتها علينا جائحة كورونا نشعر بالحزن عند انتهاء وقت مناوبتنا، وكلّ ما يشغل ذهننا وفكرنا هو موعد مناوبتنا التالية التي ننتظرها بشوق.
قسم العربات الکهربائیة
وقعت أعيننا على عربتين من العربات الكهربائية المخصصة لنقل الزوار قد رُكِنَتا إلى جنب مستودع الأدوات والوسائل في دائرة الخدمات الفنية، وعمال الميكانيكا يقومون بتصليحهما. تحدّثنا إلى علي سياح لائين، أحد هؤلاء العمال الذي يعمل في الأساس ميكانيكيًّا في إحدى أبرز وكالات السيارات في مدینة مشهد.
یشرح لنا لائين کیفیة التحاقه برکب الخدام الطوعيين قائلا: انتظرت أن أنال خدمة الإمام الرضا عشرين عامًا، إلى أن وفّقت لإجراء مقابلة مع العتبة الرضوية المقدسة حيث تمّ قبولي خادمًا في هذا المجمّع وعندما يأتي يوم مناوبتي في العتبة المقدسة أشعر بشيء من الشوق والوله إلى مكان تتردّد عليه الملائكة، كما جاء في الأحاديث والروايات.
وبیّن هذا الخادم عمله لنا حیث أنه یفحص كلّ العربات الكهربائيّة باستمرار ویتفقد عجلاتها وفراملها ومحركاتها لتأمين سلامة الزائرين الذين يستفيدون منها ویقول إن عملنا نابع من القلب ولا وجود للتعب فيه. ولا يمكن وصف شعور السكينة والطمأنينة الذي ينتابنا عندما تقلّ هذه العربات الزائر، فنجده يدعو لنا، ويشكرنا على هذه الخدمة.