وحمل الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ومحفر بن ثعلبة العائدي رأس ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنة هدية إلى الفاجر يزيد بن معاوية، فسرّ بذلك سروراً بالغاً، فقد استوفى ثأره وديون الاُمويّين من ابن رسول الله، وقد أذن للناس إذناً عاماً ليظهر لهم قدرته وقهره لآل النبيّ صلّى الله عليه وآله، وازدحم الأوباش والأنذال من أهل الشام على البلاط الاُموي، وهم يعلنون فرحتهم الكبرى، ويهنّئون يزيد بهذا النصر الكاذب. وقد وضع الرأس الشريف بين يدي سليل الخيانة، فجعل ينكثه بمخصرته، ويقرع ثناياه اللتين كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يترشفهما، وجعل يقول: (لقد لقيت بغيك يا حسين).
ثمّ التفت إلى عملائه وأذنابه فقال لهم: (ما كنت أظنّ أباعبد الله قد بلغ هذا السنّ، وإذا لحيته ورأسه قد نصلا من الخضاب الأسود)
وتأمل في وجه الإمام عليه السّلام فغمرته هيبته وراح يقول: (ما رأيت مثل هذا الوجه حسناً قطّ).
أجل إنّه كوجه رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي تحنو له الوجوه والرقاب، والذي يشعّ بروح الإيمان، وراح ابن معاوية يوسع ثغر الإمام بالضرب وهو يقول: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام:
أبـــــى قومنا إن ينصفونا فانصفت***قواضب في إيمــــاننا تقـــطر الدما
نُفلِّقـــــن هــــاماً مــن رجال أعــزَّة***علينـــــا وهــم كانوا أعقَّ وأظلمـا
الأسلمي يشجب فعل يزيد
ولم يتم الخبيث كلامه حتى أنكر عليه أبو برزة الأسلمي فقال له: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين، أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربّما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يرشفه، أما انّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجيء هذا ومحمّد صلّى الله عليه وآله شفيعه ثم قام منصرفاً عنه.