كان مبيت امير المؤمنين الامام عليّ بن ابي طالب عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه و آله خذلاناً سافراً لقريش المعتدية ، فقد خابت آمالهم وفشلت خططهم في اغتيال الرسول ، و كان فيها إرغام الشيطان وعلو شأن الإيمان ، ولم يكن أيّ عمل نظيراً للمبيت في الثواب والقيمة ، كيف وقد باهى الله بهذه التضحية ملائكته .
خطّة قريش
بعد أن فشلت جميع الطرق التي اتّبعها مشركو قريش في صدّ النبي(صلى الله عليه وآله) عن أداء رسالته الإلهية، اتّفقوا على أن يرسل كلّ فخذ من قريش رجلاً مسلّحاً بسيفه، ثمّ يأتون إلى النبي(صلى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعاً بسيوفهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمهم، وبذلك يذهب دمه هدراً.
إخبار النبي(صلى الله عليه وآله) بخطّة قريش
أخبر جبرائيل(عليه السلام) النبي(صلى الله عليه وآله) بخطّة قريش، وأمره بالهجرة إلى المدينة المنوّرة، ونزل قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(1).
دعوة الإمام علي للمبيت على فراش النبي(صلى الله عليه وآله)
دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علياً(عليه السلام) وأخبره بخطّة قريش وبهجرته إلى المدينة المنوّرة، ثمّ قال له: «يا علي، إنّ الروح هبط عليَّ بهذه الآية آنفاً، يخبرني أنّ قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنّه أُوحي إليَّ عن ربّي عزّ وجلّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ومضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع»؟ فقال علي(عليه السلام): «أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله»؟ قال: «نعم»، فتبسّم علي(عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من سلامته.
ثمّ نزل قوله عزّ وجلّ في حقّ علي(عليه السلام): (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ)(2).
خروج النبي(صلى الله عليه وآله) من داره
خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أوّل الليل، والرصد من قريش قد أحاطوا بداره ينتظرون انتصاف الليل ونوم الأعين، فخرج(صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون)(3).
وأخذ النبي(صلى الله عليه وآله) بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رؤوسهم، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم، ومضى إلى غار ثور، وفي الطريق التحق به أبو بكر.
فشل الخطّة
اقتحمت قريش دار النبي(صلى الله عليه وآله)، وهم شاهرون سيوفهم، وتهيج منهم رائحة الحقد والخبث والدناءة، فنهض الإمام علي(عليه السلام) من مضجعه في شجاعته المعهودة بوجوههم الإجرامية، فارتعد القوم وتراجعوا.
فلمّا عرفت قريش فشل خطّتها خرجت في طلب النبي(صلى الله عليه وآله)، فعمى الله أثره وهو نصب أعينهم، وصدّهم عنه، وأخذ بأبصارهم دونه وهُم دهاة العرب، ثمّ بعث الله العنكبوت فنسجت في وجه الغار فسترته، وبعث الله حمامتين فوقفتا بفم الغار، فأيّسهم ذلك من الطلب.
تاريخ الهجرة
۱ ربيع الأوّل ۱۳ للبعثة.
تاريخ الوصول إلى المدينة
وصل(صلى الله عليه وآله) إلى يثرب التي سُمِّيت فيما بعد بالمدينة المنوّرة في ۱۲ ربيع الأوّل.
دعوة الإمام علي(عليه السلام) إلى المدينة
بعد أن استقرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة، كتب إلى الإمام علي(عليه السلام) كتاباً أمره فيه بالمسير إليه.
فخرج الإمام علي(عليه السلام) من مكّة بركب الفواطم متّجهاً نحو المدينة، ومعه فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأُمّه فاطمة بنت أسد(رضي الله عنها) وفاطمة بنت الزبير، فلحقه جماعة متلثمّين من قريش، فعرفهم الإمام(عليه السلام) وقال لهم: «فإنِّي مُنطَلِق إلى ابن عمِّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيثرب، فمن سرّه أن أفري لحمه وأُهريقَ دمه فليتعقبني، أو فليدنُ منّي».
ثمّ سار الإمام(عليه السلام) وفي كلّ مكان ينزل كان يذكر الله مع الفواطم قياماً وقعوداً، فلمّا وصلوا المدينة نزل قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)(4).
فقرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الآية عليهم، فالذكَر هو الإمام علي(عليه السلام)، والأنثى هُنّ الفَواطِم، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله) للإمام علي(عليه السلام): «يَا عَلي، أنتَ أوّل هَذه الأُمّة إيماناً بالله ورسُولِه، وأوّلهم هِجْرة إلى الله ورسُولِه، وآخرهم عَهْداً برسولِه، لا يحبّك ـ والّذي نَفسي بِيَده ـ إلّا مُؤمِن قَد امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان، ولا يبغضُكَ إلّا مُنافِق أو كَافِر».
شعر الإمام علي(عليه السلام) بالمناسبة
وقد قال الإمام علي(عليه السلام) شعراً في المناسبة يذكر فيه مبيته على الفراش، ومقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الغار ثلاثاً:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ***** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق إذ مكروا به ***** فنجّاه ذو الطول الكريم من المكر
وبات رسول الله بالشعب آمناً ***** وذلك في حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وهم ينبؤوني ***** وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
أردت به نصر الإله تبتّلاً ***** وأضمرته حتّى أوسد في قبري.
المراجع:
1: سورة الانفال
2: سورة البقرة
3: سورة يس
4: سورة آل عمران