اليوم، وهو ذكرى ولادة خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) حسب الرواية المشهورة لمحدّثي الشيعة؛ وذكرى ولادة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام) في عام 83 من الهجرة، هو يومٌ عظيمٌ جدًّا للعالم الإسلاميّ.
لم تكن ولادة الرسول الأعظم مجرّد حدث تاريخيّ، بل كانت حدثَا مصيريًّا في مسيرة الإنسانيّة.
علامات الشرك والظلم تتزلزل في نقاط شتى من العالم
فالظواهر التي وقعت تزامنًا مع هذه الولادة الكبرى، كما يروي التاريخ، ما هي إلّا إشارات بليغة لمعنى هذه الولادة وحقيقتها؛ حيث يُنقل أنّ علامات الكفر والشرك في نقاط شتى من العالم تزلزلت، واختلّت أثناء ولادة نبيّ الإسلام الكريم (صلى الله عليه وآله).
فقد انطفأت عند ولادة الرسول (صلى الله عليه وآله) نار معبد فارس، بعد أن كانت متّقدة منذ ألف عام. وتهدّمت الأصنام التي كانت في المعابد، ودُهش الرهبان وخَدَمة المعابد الوثنيّة من هذه الحادثة. كانت هذه ضربة رمزيّة نزلت بالشرك والكفر والنـزعة الماديّة بفعل هذه الولادة. ومن جهة أخرى، تعرّض قصر جبابرة الإمبراطوريّة الإيرانيّة المشركين آنذاك، لحادث معيّن. حيث انهارت شرفات إيوان المدائن الأربع عشرة . وكانت هذه بدورها إشارة رمزيّة أخرى، تفيدُ أنّ هذه الولادة مقدّمة ومنطلق للكفاح ضدّ الطغيان والطواغيت في العالم. فذاك جانب المعنويّة وهداية البشر القلبيّة والفكريّة، وهذا جانب الهداية الاجتماعيّة والعمليّة للبشريّة: الكفاح ضد الظلم والطغيان، وضدّ سيادة الظالمين الباطلة على الناس. هذه هي الإشارات الرمزيّة لولادة الرسول (صلى الله عليه وآله).
ولادة الرسول الأكرم(ص): هدى من الضلال ونور من الظلمات
للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في نهج البلاغة، العديد من العبارات في وصف الزمن، الذي ظهر فيه الرسول الأكرم وطلع كالشمس المشرقة. ومن ذلك قوله: “والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور” . ما كان هناك نور في محيط حياة الناس، كانوا يعيشون في ظلمات: ظلمات الجهل، وظلمات الطغيان، وظلمات الضلال. طبعًا، كان نموذج ومظهر كلّ هذا الظلام تلك المنطقة نفسها، التي ولد فيها الرسول الأكرم ومن ثم بُعث فيها. أي، جزيرة العرب. كان لجميع الظلمات والضلالات والضياع نماذجها في مكّة،. وفي بيئة الحياة العربيّة في جزيرة العرب من أنواع الضلال الفكري والاعتقادي. وذلك الشرك المذلّ للإنسان، وتلك الأخلاق الاجتماعيّة العنيفة، وانعدام الرحمة وقسوة القلب: ﴿وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودًّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون﴾ . كان ذلك نموذجًا من أخلاق الإنسانيّة على عهد ولادة الرسول، ثم في زمن بعثته. “و كان بعده هدًى من الضلال ونورًا من العمى” . كانت البشريّة عمياء فتفتّحت عيونها. وكان العالم مظلمًا فتنوَّر بنور وجود الرسول (ص). هذا هو معنى هذه الولادة الكبرى، ومن ثمّ بعثة هذا الإنسان العظيم. لسنا نحن المسلمين فقط مدينين للمنّة والنعمة الإلهيّة، بسبب هذا الوجود المقدّس؛ بل الإنسانيّة كلّها مدينة لهذه النعمة.
هداية الرسول الأكرم(ص) نعمة إلهية ستعم الإنسانية جمعاء
صحيحٌ أنّ هداية الرسول العظيم، طوال قرون متمادية، لم تستغرق بعد البشريّة برمتّها، بيد أنّ هذا المصباح الوضّاء وهذا المشعل المتوهّج -موجود بين البشريّة؛ وهو يهدي البشر على مرّ السنين والقرون، تدريجيًّا نحو ينبوع النور. فإذا نظرنا في التاريخ بعد ولادة الرسول وبعثته (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فسنلاحظ هذا التدبير. سارت الإنسانيّة نحو القيم، وعُرِفت القيم. وهذا ما سينمو وينتشر تدريجيًّا، وتتضاعف شدّته يومًا بعد يوم، إلى أن ﴿يظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ ؛ إن شاء الله، ليستغرق العالم كلّه، وتبدأ البشريّة سيرها الحقيقي في طريق الهداية، والصراط الإلهي المستقيم. والواقع أنّ حياة الإنسانيّة تبدأ منذ ذلك اليوم. وهو اليوم، الذي تكتمل فيه حجّة الله على الناس، وتضع الإنسانيّة أقدامها على هذه الجادة العظيمة.
* من كلمة الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم(ص) وميلاد الإمام جعفر الصادق (ع).. الزمان: 15/03/2009