قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا)……البقرة 247 ) (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الهوى….(البقرة 26) (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وزَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَاٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُ…. (البقرة 251 ) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة 55)
الدولة الاسلامية….. مباديء وخصائص…النظرة إلى نظام الحكم الامثل
أولا: رئيس ولايات، رئيس وزراء، رئيس جمهورية، ملك ، أمير ، امبراطور ، قائد، عناوين بارزة لمصطلحات السياسة المعاصرة تختص اساسا بالقائد الأعلى الحاكم لدولة معينة سواءا ملكية كانت او جمهورية او إمارة او… الخ..مع توسعة في صلاحيات هذا الحاكم او انحسار في صلاحيات آخر.
ثانيا: ملك، أمين، مستشار خاص للملك، ولي امر، حاكم، خليفة، هذه هي العناوين السياسية البارزة التي استخدمها القران الكريم للتعبير عن القائد الأعلى لمملكة او حكومة او حتى قائد عسكري ..وما عدا كلمة فرعون (سواءا كانت هذه الكلمة تعني اسما للملك او لقبا) فقد ابتغى القران الكريم في التعبير بهذه الكلمة عن الملك الجبار الذي تصرف بكل شيء حسب هواه و رأيه الشخصي.
ثالثا: البعض قد يصاب بشيء من الاشمئزاز عندما يسمع كلمة الملك او الملكية وهي تطرق اذنيه، وقد يكون له الكثير من الحق في ذلك لما ارتبطت به هذه الكلمة بالحكم الفردي والظالم الذي عادة ما يصادر حريات الناس وحقوقهم ويفرض نفسه وعائلته على الناس دونما حق او رغبة من الناس او الشعب، إلا ان ما يذكره القران الكريم في حال وصفه لأنظمة الحكم لا يريد بذلك المعنى المتعلق في ذهننا حول تعريفنا للملكية في عصرنا الحالي فقد يكون هناك رئيس جمهورية حسب المصطلح الحالي إلا ان كل مواصفات الملك الجبار تتجسد فيه .
رابعا: فالملكية و حسب تعريف القران المجيد ، لا تمثل سوى الدلالة او الإشارة إلى أعلى سلطة بيدها الأمر والتوجيه سواءا في بلاد معينة كما هو لمصر وبابل او لمجموعة تحررية تريد الاستقلال كما نجد ذلك بالنسبة ل طالوت الملك، وقد تطلق على حكومة النبي كما في ملك داوود، و سليمان (على نبينا وآله وعليهما السلام) وتارة نطلق عبارة الخليفة او ولي الأمر عليهم ، اي على حكومة الأنبياء.
خامسا: في الآيات المذكورة اعلاه نجد انها تشير إلى تنصيب الله تعالى للأنبياء على رأس السلطة العليا وإعطاء قدرة الحكم والإشراف بيدهم، وأن القران الكريم يحدثنا عن عدة حكومات منصوبة من قبل الله تعالى فيكون ملكا او خليفة حسب التعبير القرآني، ومن تلك الحكومات التي أشار إليها القران الكريم هي حكومة داوود النبي و سليمان (عليهما السلام) وكذلك حكومة النبي الأكرم محمد (صلى الله علبه واله)، ونرى هنا أن الحكومة إنما كانت منصوبة من قبل الله تعالى وهذه ليست مجرد اختيار عشوائي بقدر ما هو اختيار مثالي لأفضل وأكمل إنسان وبمواصفات انسانية و خلقية كاملة، وبما يمتاز به أولئك من منطق وعدل وسلوك قويم وهو ما نطلق عليه بالعصمة والتنزه عن ارنكاب أي عمل منحرف أو ظلم مهما كان بسيطا، وهو بذلك يستحق هذا المنصب كحالة طبيعية ينظر أو يتطلع اليها اي إنسان سليم في قدوته او قيادته بالإضافة إلى ما يمتاز به القائد من علم وحكمة وفقاهة ووحي .
سادسا: إذن فإن المواصفات الخلقية والمؤهلات العلمية والمؤثرات التربوية وماض نزيه و صدق في القول والسلوك القويم وأمانة واضحة كلها أطر مهمة لغرض اختيار واصطفاء الفرد للقيادة والولاية او الخلافة، فإذا كانت عند النبي او الوصي فما على الناس إلا الاتباع والالتزام واللزوم لها والاندكاك او الذوبان بها ، وهنا يكون التنصيب للرئاسة باختيار إلهي كامل، ولا غبار على هذا الاختيار ولا تشكيك فيها، وهو بأمر الله تعالى وهو ما يسمى بالتنصيص اي توفر النص السماوي بخصوص تسمية الحاكم او القائد كما هو بخصوص الأنبياء و الأوصياء من بعدهم .
وكما وجدنا في قول النبي الأكرم (ص) للامام علي (ع) (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)، وهنا الدلالة على التنصيب لمقام القيادة او الحكومة للوصي المنزه والمعصوم والذي توفرت فيه كل تلك المواصفات ما عدا مقام النبوة اذ ختمت النبوة بالنبي الأكرم (ص).
سابعا: و باختصار نقول صار عندنا نوعين من التنصيب للحكم:-
1- تنصيب إلهي مع مواصفات و مؤهلات لا منافس له فيها وبالاختيار الالهي وهي للأفضل والامثل على الإطلاق ، وذلك لتوفر كل المواصفات وباكمل شروطها كما اثبت التاريخ لنا ذلك ، وهي للنبي (ص) و من بعده الوصي المعصوم (ع) .
2- تنصيب على اساس المواصفات اللازمة لها و للحكومة وذلك من قبل الناس ، بعد توفر المواصفات المطلوبة، وهنا من الضروري أن نؤكد على أهمية ما يشير إليه القران الكريم وينبه عليه الشعوب في حال انتخابها لقادتها الرساليين هو النظر إلى تلك المواصفات الضرورية واللازم توفرها فيهم، خاصة من تتوفر فيه عناصر الحكمة والفقاهة (اتيناه الحكمة .. وكذلك ..علمناه) والشجاعة التي تمكنه من التصدي للحكام الظالمين والجائرين والقدرة على استقطاب الجماهير من أجل بناء حكم عادل نزيه.
3- اما موضوع الملكية ، فهي ليست مورد قبول تام خاصة و ان الملكية فيها سلبيتان ،الاولى الحالة الوراثية وهي قد تفرض على الناس فردا عن طريق الوراثة ولمجرد الوراثة فحسب ولو على حساب المواصفات اللازم توفرها في الحاكم، وهذا الفرض للفرد غير المؤهل امر مرفوض، ومخالف لما بينه الله في كتابه. وسلبية ثانية وهي إعطاء صلاحيات فردية كبيرة للحاكم والتحكم في العباد والبلاد .