الخلاف في العقيدة لا يفسد في الود قضية
الشريكان
كان إخلاص هشام بن الحكم وعبد الله بن يزيد الأباضي ومودتهما لبعضهما موضع إعجاب أهل الكوفة ومضربا للمثل، كانا خزّازين شريكين في حانوت يملكانه.
وأكثر ما كان يثير عجب الناس أنهما لم يختلفا فيما بينهما قط، مع اختلافهما التام في العقيدة. فقد كان هشام من متكلمي الشيعة الإمامية وعلمائهم ومن خواص الإمام الصادق عليه السلام. وكان عبد الله بن يزيد من علماء الأباضية المشهورين ومع أنهما لم يزجا عقائدهما المذهبية في شؤون حياتهما الأخرى.
والشيء العجيب في ذلك أن أصحاب هشام بن حكم كانوا يختلفون إليه وهو في الحانوت يأخذون منه استيضاحات عقائدهم الدينية والمذهبية وعبد الله يسمع ذلك ولا يبدي أية مخالفة، وكذلك الإباضية كانوا يختلفون إلى صاحبهم يأخذون عقائدهم منه وهشام يسمع ولا يظهر أية مخالفة.
وذات يوم قال عبد الله لهشام: أنت تعلم ما بيننا من المودة ودوام الشركة، وقد أحببت أن تنكحني ابنتك فاطمة !
فأجابه هشام قائلا: إنها مؤمنة.
فسكت عبد الله ولم يعوده في شيء من ذلك واستمرا في محبتهما وشراكتهما حتى فرق الموت بينهما1.
أبو اسحق الصابي
كان أبو اسحق الصابي أديبا بارعا وكاتبا معروفا،له في الكتابة والإنشاء مقام رفيع، فلقد شغل وظيفة كاتب الإنشاء ببغداد عند الخليفة وعند عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه، كان أبو اسحق الصابي يصوم رمضان احتراما للمسلمين، ويحفظ القرآن ويقتبس آياته في كتاباته. كان الصابي رفيقا مخلصا وصديقا وفيا للشريف الرضي ولما توفي سنة 384 هجرية رثاه الشريف الرضي بقصيدة مشهورة فيها:
أرأيت من حملوا على الأعواد أرأيت كيف خبا ضياء الفادي
جبل هوى لوفّر في البحر اغتدى من ثقله متتابع الأزياد
ما كنت أعلم قبل حطّك في الثرى إن الثرى يعلو على الأطواد
بعد أن رثى الشريف الرضي الصابي بهذه القصيدة الفريدة لامه الناس وعاتبوه على ذلك وحجتهم أن الصابي وكما هو معروف من اسمه لم يكن مسلما، فرد عليهم الشريف الرضي بقوله: إنما رأيت فضله!2
* قصص الأبرار، الشيخ مرتضى مطهري، التعارف، ص87-88 و117-118.
1- مروج الذهب -الطبعة المصرية- ج2 ص174.
2- الكنى والألقاب ج2 ص361-363.