المودة في القربى
لقد جعل الله سبحانه حب آل البيت على الناس فريضة واجبة، فلا يصح إسلام أحد إلا بحبهم ومودتهم. قال تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (الشورى 23).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا المعنى ما لا يحصى من الأحاديث الواردة عنه كقوله (يا عليّ، أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضك من بعدي) وقوله (الحسن والحسين ابناي، مَن أحبّهما أحبّني ومن أحبني أحبّه الله ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله دخل النا).
والإشكال في هذه الفريضة أن الحب شعور نفسي، يأتي من تلقاء نفسه، فكيف يفرض على الناس فرضا؟! يعني ما ذنب الإنسان إذا لم يجد في نفسه حبّاً لهم؟ نعم يمكن أن تفرض طاعتهم وموالاتهم، فهي سلوك وفعل يمكن للإنسان أن يلتزم به أما الحب والمودة فكيف؟!
إن شعور الحب وإن كان أمر نفسي، إلا إن الإنسان مجبول في طبعه على حب كل ما هو حسن وجميل، فأنت لا يمكن أن لا تحب الروضة الغنّاء، أو العطر الجميل، أو الإنسان السمح ذو الوجه الصبوح والأخلاق الحسنة، فما يمنعك عن حب مثل هذه الأشياء إلا سوء في طبعك أو مرض في نفسك.
ولما كان أهل البيت عليهم السلام، في طباعهم وسلوكهم وشخصياتهم مثال للإنسان الكامل، حيث أنهم امتداد طبيعي لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه الله جل وعلا (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم:4) وقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (ال عمران: 159) وبذا فإن الله يفرض على الإنسان أن لا يكون بمرض نفسي يمنع عنه حب مثل هذه النماذج المتكاملة.
بالإضافة الى أن آل البيت عليهم السلام هم عدل القرآن والإسلام، وهم الذين يمثلونه في الواقع الفعلي، لهذا فإن عدم مودتهم تعني بالضرورة حالة تخلف عن التزام الخط الإسلامي القويم. فالذين لم يحبوا عليّا، فعلوا ذلك حسدا له في مناقبه وبطولاته ولاشك أن هذا الحسد يتقاطع مع الإيمان، ولم يحبوه لأنه وترهم في إخوانهم وأبناء عمومتهم في الحروب، وهذا أيضا لا يعبر عن عدم محبة الإمام علي عليه السلام بقدر ما يعبر عن ضعف في إيمانهم، لأن عليا عليه السلام لم يقتل من قتله إلا دفاعا عن الإسلام وهؤلاء هم كفار وعلى المؤمنين عدم موالاتهم، قال تعالى (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) (ال عمران28)
وفي خطبة الزهراء سلام الله عليها بيان واضح لأسباب امتناع من امتنع عن حب أمير المؤمنين عليه السلام وما يجلب ذلك الحب من نفع ومن تأكيد للإيمان (وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله.
وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه، ولا يكل سائره، ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يحلي من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)