إن شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله لا تدانيها أية شخصية عبقرية، ولكن العبقرية – مهما سمت – فإنها لا تأتي ولن تأتي بالمعجزات وخوارق العادات .
العبقري الذي لم يدرس فن الطب – مثلاً – يستحيل أن يؤلف كتاباً فيه صحيحاً وسليماً في جميع أقواله ونظرياته بخاصة إذا كان فيه كشوف جديدة، ولو افتُرض أن جاءنا بكتاب مثل هذا لجزمنا في الحال ومن غير تردد بأن وراءه عالم قدير في فن الطب هو الذي وضع هذا الكتاب، وأعطاه للعبقري، أو العبقري سرقه منه. وهذه هي الحال بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وآله، فلقد جاء القرآن، وفيه أشياء وأشياء لا يمكن أن تكون إلا من خالق الكائنات، كالإخبار بالمغيبات وعجائب الأرض والسموات، وخلق الإنسان وغيره من الحيوانات والحشرات، وفيه النظام الكامل الشامل لشتى ميادين الحياة إلى غيرها من الحقائق الكونية والإنسانية التي عجز محمد والعلم في عصره عن معرفة القليل منها .
إذن، فلا بد أن تكون تنزيلاً من لدن حكيم خبير على قلب الرسول الأمين: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
ثانيا: أن للعبقري المبدع علامات تدل عليه، وللثائر المصلح صفات مميزة عن غيره، والنبي يشارك العبقري والمصلح، في كل فضيلة، ما في ذلك ريب، ولكنه يمتاز بصفات لا يشاركه فيها أحد، أن العبقري أو المصلح يستوحي آراءه ومبادئه من الأرض، لا من السماء، يستوحيها من عقله وبيئته، والنبي يتلقى الوحي من السماء، من الله جلت عظمته، والوحي معصوم، والعقل يخطئ ويصيب، والبيئة شهوات وأهواء.
وأيضا العبقري يبدع في شيء دون شيء ولا يبدع في كل شيء والمصلح يهدف إلى ناحية واحدة أو أكثر من حياة فئة أو أمة في بقعة من الأرض، ولا يهدف إلى إصلاح أهل الأرض جميعا في كل شيء وفي كل زمان ومكان.
أما محمد فهو رسول الحق والعدل إلى الإنسانية جمعاء لينقذها من الجهالة والضلالة، ويحملها على نهج الهداية والنجاة، وأين العبقري والمصلح من هذا أو شبه هذا؟.
وبعد، فإن محمدا لا يقال: هو عبقري خلاق، ولا مصلح ثائر، ولا عظيم خالد … كلا، وألف كلا، فما أكثر العباقرة والمصلحين والثائرين! إن محمداً رحمة مهداة من إله السماء لأهل الأرض أجمعين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). ورحمة الله سبحانه فوق العبقرية والعباقرة، والإصلاح والمصلحين، وفوق العظمة والعظماء الخالدين، بل فوق الناس مجتمعين والسموات والأرضين؛ لأنها تتسع لكل شيء ولا يتسع لها شيء إلا قلب محمد ومن سار طريقته وعمل بمبادئه وسنّته.
المصدر: كتاب نفحات محمدية