Search
Close this search box.

صوم السمع

صوم السمع

وقد أشارت السيد الزهراء(ع)إلى ارتباط الصوم بهذه المعركة بقولها الوارد عنها:“ما يصنع الصائم إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه”[3].

وللصوم حكمة أساسية هي تقوية الإرادة، فالصائم بصومه يقوّي إرادته على أن يترك ما اعتاد أن يفعله، فيكون عقله هو السلطان على إرادته.

ومن بين الاقاليم السبعة هناك اثنان منها هما محور المواجهة مع الصوم في تحقيق هذه الحكمة أو عدم تحقيقها، وبعبارة آخرى هما محور المواجهة في تقوية الإرادة أو إضعافها، فجنود الرحمن يدعون النفس من خلال الصوم إلى تقوية الإرادة وجنود الشيطان يعملان في النفس من خلال هذين الإقليمين إلى إضعاف إرادة الإنسان، وهذان الإقليمان هما الأذن واللسان، وهما يجتمعان في عنوان حرّمه الله تعالى، وهو الغناء، لذا لا بدّ من وقفة مع هذا العنوان في شهر الله تعالى.

معنى الغناء

الغناء، بالمعنى العام، مفهومٌ عند الناس، ولعلّه لأجل ذلك لم ترد نصوص واضحة في تحديد معناه الدقيق، وهو ما دعا بعض العلماء في تحديدهم للغناء إلى العرف، فما أطلق عليه العرف الغناء، فهو حرام عندهم[4].

إلا أنّ ثلة من الفقهاء اعتبروا أنّ مفهوم الغناء لا بدّ أن يخضع لأدوات الفقاهة الشرعيّة فقاموا بدراسة مفهومه الشرعيّ وحدّدوه في ضوء ذلك، ومثال على ذلك التحديد ما ذكره الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في كون الغناء المحرّم يتحقّق بوجود عناصر هي:

1- ترجيع الصوت، قال في أجوبة الإستفتاءات في تعريفه للغناء المحرَّم: “الصوت مع ترجيع…”[5]، أي ترديده في الحلق[6]، وهو ما يطلق عليه الترنّم[7].

2- كون الصوت مطربًا، والطرب هو نشوة تصاحبها خفة لشدّة السرور”[8].

ألا يُلاحظ أنّ الناس الذين يستمعون الغناء يشعرون بخفّة في أجسادهم، وهو ما يدفعهم نحو الرقص والقفز وما شاكل.

3- الكيفيّة المتناسبة مع مجالس اللهو والمعصيّة[9] وهذه الكيفيّة تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، وهناك العديد من الأمور التي تساهم في صناعة بيئة المعصية اللهويّة هذه، وقد تكون من بين هذه الأمور :

1-هوية المغنِّي كأن يكون من المطربين المعروفين.

2- إيقاع اللحن.

3- مضمون الكلام المصحوب بالألحان.

4- طبيعة المكان الذي يقام فيه حفل الغناء.

5- شكل اللباس الذي يرتديه المغني أو هو وفرقته على المسرح…الخ.

ومن خلال ما تقدّم يتّضح حكم الموسيقى التي حدّد الإمام الخامنئي (دام ظلّه) المحرّم منها بأنّها: “المطربة المتناسبة مع مجالس اللهو والمعصية”[10].

حرمة الغناء في الأحاديث الشريفة

لم ترد كلمة الغناء نصًّا في القرآن الكريم، إلاّ أنّ الأحاديث الشريفة فسّرت العديد من الآيات به، وقد تمحورت عناوين تلك الآيات التي فُسِّرت بالغناء بالآتي:

1- لهو الحديث.

2- اللغو.

3- قول الزور.

· أمّا تفسير لهو الحديث بالغناء، فقد ورد فيه عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع): سمعته يقول :” الغناء ممّا وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[11].

وعن الإمام الصادق (ع): “الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله وهو مما قال الله عزّ وجلّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)“[12].

· أمّا تفسير اللغو بالغناء فقد ورد فيه أنّ الإمام الرضا (ع) أجاب من سأله عن حكم استماع الغناء: “أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)”[13].

· أمّا تفسير قول الزور بالغناء فقد ورد فيه أن عبد الأعلى سأل الإمام الصادق (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)، قال: … قول الزور الغناء”[14].

إضافة إلى تفسير تلك العناوين بالغناء ورد عدد من الأحاديث الشريفة الذامّة للغناء، الناهية عنه، منها:

1- عن الإمام الصادق (ع): “شر الأصوات الغناء”[15].

2- عن الإمام علي (ع) :“وألذّ المسموعات الغناء والترنّم وهو إثم”[16].

3- ورد أنّ رجلاً قال للإمام الصادق (ع): “إنّ لي جيرانًا، ولهم جوارٍ يتغنين ويضربن بالعود، فربّما دخلت المخرج، فأطيل الجلوس استماعًا منّي لهنّ، فقال له الإمام (ع): لا تفعل، فقال الرجل للإمام (ع): والله ما هو شيء آتيه برجلي، إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال (ع): يا الله أنت ! أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً؟ فقال الرجل: كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عزّ وجلّ من عربيّ ولا عجمي، لا جرم أنّي قد تركتها، وإنّي أستغفر الله تعالى”[17].

3- عن عبد الله بن أبي بكر، قال. قمت إلى متوضأ لي، فسمعت جارية لجار لي تغني وتضرب، فبقيت ساعة أسمع، قال: ثمّ خرجت، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد الله (ع)، فحين استقبلني قال (ع): الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، اجتنبوا قول الزور. قال: فما زال يقول: الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، قال: فضاق بي المجلس، وعلمت أنّه يعنيني، فلمّا خرجت قلت لمولاه معتب: والله ما عنى غيري”[18].

آثار الغناء

1) إضعاف الإرادة

للغناء ارتباط قويّ بإرادة الإنسان التي هي أساس في حقيقة الإنسانيّة، قال الإمام الخمينيّ (قده): “أيها العزيز… اجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة؛ فإنّك إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقّق فيك العزم (على ترك المحرّمات) فأنت إنسان صوري بلا لبّ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة إنسان؛ لأنّ ذلك العالم هو محلّ كشف الباطن وظهور السريرة، وإنّ التجرّؤ على المعاصي يفقد الإنسان تدريجًا العزم، ويختطف منه هذا الجوهر الشريف”[19].

بعد كلامه هذا يحدِّد الإمام الخمينيّ (ره) سببًا أساسيًا يعتبر على رأس قائمة الأسباب التي تضعف إرادة الإنسان ألا وهو الغناء، ناقلاً ذلك عن أستاذه الشاه آبادي (قده).

قال (ره): “يقول الأستاذ المعظَّم دام ظلّه: (إنّ أكثر ما يسبّب على فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء)”[20].

ولعلّ هذا العالم الكبير قد استفاد هذا من بعض الروايات التي ربطت بين الغناء والنفاق.

فعن الرسول الأكرم (ص): ” الغناء يُنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع”[21].

وعن الإمام الصادق (ع):الغناء عشُّ “النفاق”[22].

ومن الواضح أنّ النفاق له مراتب تبدأ بالعقيدة، وتستمرّ بالعمل، ومن موارد ذلك حينما يقول الإنسان ببعض الأعمال مع عدم وجود إرادة داخلية قوة تدفعه نحوه بغضّ النظر عن الناس ونظرتهم، فيقوم به ملاحِظًا نظرة الناس أكثر ممّا هو مريد ذلك العمل بإرادة مستقلّة جادّة، فيدخل لهذا السبب في مرتبة من النفاق.

والروايات تفيد أن من الأسباب التي تولِّد هذا النفاق، وبالشرح السابق، تضعف إرادة الإنسان، هو الغناء، فهو، بحسب الرواية الأولى، (يُنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع)، وهذا يشير إلى الإنماء البطيء الذي قد لا يشعر به الإنسان كما أنّ الرواية الثانية:” الغناء عشّ النفاق” تشير إلى أنّ الغناء يمثل البيئة المساهمة في النفاق وضعف إرادة الإنسان كما يساهم العش في نمو الطير داخل البيضة.

قسوة القلب

ورد في الحديث عن النبيّ الأعظم (ص): “ثلاثة يقسِّين القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب السلطان”[23].

المراد من إتيان باب السلطان إتيانه بخضوع له، والمراد من طلب الصيد هو اللهوي لا بقصد الانتفاع من ما اصطاده، والمراد من استماع اللهو الغناء.

وقسوة القلب سبب للابتعاد عن الله تعالى والتوجّه إليه، وبالتالي تعريض الإنسان نفسه للحرمان من الرحمة الإلهيّة فالمغني والمستمع للغناء يستخدم نعمة الله تعالى في عكس مسار تكامله، فبدل أن يستثمر صوته في تلاوة القرآن أو الدعاء، أو في مجالس العزاء، أو الأناشيد الهادفة والواعظة، فإنّه يتسافل بصوته نحو الانحدار المعنويّ، في حين أن الكون يسير نحو التكامل.

من جميل ما ورد في وعظ المغنِّي الحديث الوارد عن أبي عبد الله (ع): “ألا يستحي أحدكم أن يغني على دابته وهي تسبِّح”[24].

وهكذا الحال مع المستمع، فبدل أن يستفيد من أذنه في استماع آيات الله وما يفيده، فإنّ البعض يتسافل باستماع الغناء لينحدر بذلك إلى وادي العصيان

2) التوريط في الزنا

ورد عن الرسول الأكرم (ص): “الغناء رقية الزنا”[25]، وهو يدلّ على أنّ بيئة الغناء التي تضعف إرادة الإنسان قد تورطه في خرق حدود الله في العلاقة بين الجنسين، وهذا أمر معروف لدى الناس في مجالس الغناء الصاخبة التي يختلط فيها الجنسان.

سورة الإسراء، الآية 36.[1]

المجلسي، محمد، روضة المتقين، ج3، ص 278.[2]

المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص 295.[3]

2أنظر: الجبعي، علي، مسالك الأفهام، ج14، ص 180/ الأردبيلي،….زبدة البيان، ص 413.

الخامنئيّ،علي، أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص 27. [5]

الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ج4، ص 334. [6]

المصدر السابق، ج6، ص 76. [7]

مركز المعجم الفقهيّ، المصطلحات ، ص 1634. [8]

الخامنئي، علي، أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص 27. [9]

الخامنئي، علي، أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص 22. [10]

الجبعي، علي، مسالك الأفهام، ج14، ص 180[11]

الكليني، محمد، الكافي، ج6، ص 433.[12]

الصدوق، محمد، عيون أخبار الرضا، ج2، ص 135.[13]

الحر العاملي، محمد حسن، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، ج6، ص 34.[14]

الصدوق، محمد، المقنع، ص 456.[15]

القمي، محمد، العقد النضير والدر الفريد، ص 45.[16]

الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام، ج1، ص 116.[17]

الطوسي، محمد، الأمالي، ص 720-721.[18]

الخمينيّ، روح الله، الأربعون حديثاً، تعريب محمد الغروي، ط6، بيروت، دار التعارف، 1998، ص 35.[19]

المرجع السابق نفسه.[20]

[21]الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص 2313/ البيهقي، أحمد، شعب الإيمان، ج4، ص 278/ السوطي، جلال الدين، الجامع الصغير، ج2، ص 206.

الكليني، محمد، الكافي، ج6، ص 431.[22]

الصدوق، محمد، الخصال، ص 126.[23]

المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج61، ص 205.[24]

المصدر السابق، ج16، ص 297.[25]

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل