الكذب من أسوأ الذنوب الّتي يُمكن للعبد أن يرتكبها، والكذّاب يفقد ثقة الناس به؛ لأنّ العلاقات الاجتماعيّة السليمة الّتي يبتغيها الناس هي العلاقات القائمة على الصدق، وقد كثرت الآيات والروايات الّتي تُحذّر من الكذب مبيّنة مبغوضيّته عند الله تعالى.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾[1]، وهذا ما أكّدته الرواية عن الإمام علي عليه السلام: “جانبوا الكذب، فإنّه مجانب للإيمان”[2].
وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أعظم الخطايا اللسان الكذوب”[3].
وعن الإمام عليّ عليه السلام: “وتحفّظوا من الكذب فإنّه من أدنى الأخلاق”[4].
لا تستخفّوا بألوان الكذب
هناك نماذج من الكذب قد يستخفّ بها الإنسان ويعتبرها غير سيّئة وقد يُعطيها تسميات لتخفيفها كاسم كذبة بيضاء أو كذبة أوّل نيسان… وقد أكّد الإسلام على رفض ذلك وعدم استسهال الكذب بجميع مسمّياته وألوانه، وفي رواية عن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمّي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أُعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أردت أن تُعطيه؟ قال: أردتُ أن أُعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أما إنّك لو لم تُعطه شيئاً كُتبتْ عليك كذبة”[5].
وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لمّا سألته أسماء بنت يزيد: إنْ قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه، يُعدّ ذلك كذباً؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الكذب يُكتب كذباً حتّى تُكتب الكُذَيْبة كُذَيْبَة”[6].
عواقب الكذب وخيمة
للكذب آثار وعواقب وخيمة على الإنسان، منها:
1- الحرمان من الهداية: فإنّ الكذب يحرمه من نعمة الهداية، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[7]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾[8].
2- إنبات النفاق في القلوب: يقول الله تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾[9].
3- المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة: فعن الإمام عليّ عليه السلام: “ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة”[10]، وأمّا سبب العذاب في الآخرة فلأنّ الكذّاب سيظهر كذبه أمام الملأ، وسيُجرّ إلى جهنّم كما وعده الله تعالى، وأمّا المهانة في الدنيا فلأنَّ الكذب يذهب بهيبة الإنسان وبهائه، إذ إنّ الكاذب منبوذ بين الناس ويشيرون إليه بالأصابع لعدم ثقتهم به، وعن الإمام عليّ عليه السلام: “من عُرف بالكذب قلّت الثقة به، من تجنّب الكذب صدقت أقواله”[11].
4- الحرمان من صلاة الليل: ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيُحرم بها صلاة الليل”[12].
5- نقصان الرزق: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الكذب يُنقص الرزق”[13]، وعن الإمام عليّ عليه السلام: “اعتياد الكذب يورث الفقر”[14].
هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة النحل، الآية 105.
[2] خطب الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة،ج1، ص150، شرح: الشيخ محمد عبده، دار الذخائر – قم – ايران، النهضة – قم، الطبعة الأولى، 1412 – 1370 ش.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص 133.
[4] م.ن، ح75, ص64.
[5] محمّدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2675.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص258.
[7] سورة الزمر، الآية 3.
[8] سورة غافر، الآية 28.
[9] سورة التوبة، الآية 77.
[10] الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 209, تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، نشر وطبع دار الحديث، ط1.
[11] محمدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2677.
[12] العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص260.
[13] محمدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2678.
[14] العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص261.