من أسماء السيدة فاطمة (عليها السلام) “المحدَّثة”. والمحدَّث هو مصطلح خاص، إذ يطلق على الإنسان الذي وصل إلى مرتبة ومقام يسمع فيه صوت الملك الذي يحدّثه، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه، والنبي الذي يؤتى في منامه، وربما اجتمعت الرسالة والنبوة لواحد، والمحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة1.
المحدّثات في القرآن الكريم
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ثلاث محدَّثات من قبل الملائكة وهي:
1- السيدة مريم (عليها السلام)
قال تعالى: ﴿وإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾2
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾3
بل نصّ القرآن الكريم على حوار بين مريم وملك أرسله الله إليها، فقال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾4
2- سارة زوجة النبيّ ابراهيم (عليها السلام)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾5
3- أم النبيّ موسى (عليه السلام)
قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾6
4- فاطمة (عليها السلام) أفضل المحدَّثات
إن كان هؤلاء النساء الطاهرات محدَّثات، فكيف بالسيدة التي أجمع المسلمون شيعة وأهل سنة بأنّها سيدة نساء أهل الجنة.
روى البخاري في صحيحه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): “فاطمة سيدة نساء أهل الجنة”7.
وروى مسلم في صحيحه أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال للزهراء (عليها السلام): “يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمّة”8
حديث الملك مع فاطمة (عليها السلام):
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): “إنما سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين”9
إضافةَ إلى هذه الرواية المفسّرة لكون الزهراء (عليها السلام) محدَّثة، فإن هناك روايات أخرى أدّت نفس الوظيفة التفسيرية، لكّنها دارت حول ناتج حديث الملك مع السيدة الزهراء (عليها السلام) بما عرف بمصحف فاطمة(عليها السلام). وقد ورد الحديث عن مصحف فاطمة(عليها السلام) في روايات عديدة لا شكّ ولا ريب في الاعتبار السندي بجملة منها، من ثبيل الرواية الصحيحة التي رواه الكليني (ره) في كتابه الكافي بسنده عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً، قال: له فالجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها، حتى أرش الخدش. قال: فمصحف فاطمة عليها السلام؟ قال، فسكت طويلا ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاء ها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام”10
حدّدت هذه الرواية جملة من العناوين المتعلّقة بحديث الملك مع السيدة الزهراء (عليها السلام)، وهي:
1- المملي هو الملك جبرئيل.
2- المملى عليها هي السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
3- الكاتب هو أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام).
4- المناسبة هي التعزية بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
5- الكتاب هو مصحف فاطمة (عليها السلام).
سماحة الشيخ أكرم بركات
1- ابن شهر اشوب، المناقب، ج3، ص 336.
2- سورة آل عمران، الآية 42.
3- سورة آل عمران، الآية 45.
4- سورة مريم، الآية 17-21.
5- سورة هود، الآية 69-73.
6- سورة القصص، الآية7.
7- البخاري، صحيح البخاري، تحقيق ابن باز، دار الفكر، ج4، ص 467.
8- مسلم، صحيح مسلم، دار الفكر، ج2، ص 467.
9- المجلسي، بحار الأنوار، ج14، ص 206.
10- الكليني، أصول الكافي، ج1، ص 241.