Search
Close this search box.

جليسة بيت الأحزان

جليسة بيت الأحزان

بعد استشهاد خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) بنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتاً للزهراء (عليها السلام) في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين (عليهما السلام) أمامها وخرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها.

ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد رحيل أبيها سبعة وعشرون يوما، واعتلت العلة التي توفيت فيها فبقيت إلى يوم الأربعين، وقد صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الظهر وأقبل يريد المنزل إذ استقبلته الجواري باكيات حزينات، فقال (عليه السلام) لهن: ما الخبر ومالي أراكن متغيرات الوجوه والصور؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة ابن عمك الزهراء، وما نظنك تدركها. فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعاً حتى دخل عليها، وإذا بها ملقاة على فراشها، وهو من قباطي مصر، وهي تقبض يمينا وتمد شمالا، فألقى الرداء عن عاتقه، والعمامة عن رأسه، وحل أزراره، وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره، وناداها: يا زهراء فلم تكلمه، فناداها: يا بنت محمد المصطفى فلم تكلمه، فناداها: يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء فلم تكلمه، فناداها: يا بنت من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى فلم تكلمه، فناداها: يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب. قال: ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى وقال: ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب؟ فقالت: يا ابن العم اني أجد الموت الذي لابد منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم انك بعدي لا تصبر على قلة التزويج، فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوما وليلة واجعل لأولادي يوما وليلة، يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين، فإنهما بالأمس فقدا جدهما واليوم يفقدان أمهما، فالويل لامة تقتلهما وتبغضهما، ثم أنشأت تقول:
ابكني إن بكيت يا خير هادي * واسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل * فقد أصبحا حليف اشتياق
ابكني وابك لليتامى ولا تنس * قتيل العدى بطف العراق
فارقوني فأصبحوا يتامى حيارى * يخلف الله فهو يوم الفراق

قالت: فقال لها علي (عليه السلام): من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا؟ فقالت: يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصر من الدر الأبيض، فلما رآني قال: هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق، فقلت: والله اني لأشد شوقا منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي، وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد، فإذا أنت قرأت “يس” فاعلم اني قد قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة، وليصل علي معك من أهلي الأدنى فالأدنى، ومن رزق أجري، وادفني ليلا في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال علي (عليه السلام): والله لقد أخذت في أمرها، وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها.

* اللمعة البيضاء – بتصرّف

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل