يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ” وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ..” النساء 4171
س: ما معنى أن المسيح (روح الله)؟ وهل هو جزء من الله؟ وهل يدّل ذلك على ألوهيته؟
ج: روح الله هو لقب جبرئيل (ع) كما هو لقب المسيح (ع) ومعناه أن الله خلقه من روحه وقدرته كما خلق آدم نفسه من روحه أيضاً.
قال تعالى:
“ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا (لا تبالغوا وتحرّفوا الحقائق) فِي دِينِكُمْ، وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ (كقوله تعالى للشيء كن فيكون) أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ (تنزه) أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ” النساء 4171.
و (روح من الله) لا تعني أنه جزءٌ من الله لأن الله جلّ وعلا ليس مركباً وليس له أجزاء، بل تعني أنه من قدرة الله وأمره، أو أنه مؤيّد من الله، كقوله تعالى في المؤمنين المخلصين:“أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ” المجادلة 5822
وذات مرة حاور طبيب مسيحي لهارون الرشيد علياً بن الحسين الواقدي المروزي قائلاً له: إنّ في كتابكم ما يدلّ على أنّ عيسى جزءٌ منه تعالى- وتلا الآية السابقة: (وروح منه) (للتدليل على أن المسيح هو إله أيضاً!!) فقرأ له الواقدي قوله تعالى:“وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ” الجاثية 4513.
وقال: يلزم أن تكون جميع هذه الأشياء أجزاء منه تبارك وتعالى!! فاقتنع الطبيب وأسلم.. ففرح الرشيد بإسلامه ووصل الواقدي بصلة فاخرة. (تفسير المنار ج 6 ص 68 طبعة بيروت الأولى دار الكتب العلميّة).
وقال تعالى في أمّ المسيح (ع):
“ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا..” التحريم 6612.
أي نفخ الله عزّ وجلّ فيه روح الخلق والتكوين من قدرته تعالى بواسطة جبرئيل (ع) فحملت مريم (ع) بالمسيح (ع) بدون أب.
قال تعالى:“فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا (أي جبرئيل) فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا” مريم 1917.
وكون المسيح روحا خلقها الله أو كون المسيح من روح الله وقدرته وأمره بدون أبٍ لا يقتضي ألوهيّة المسيح، لأن آدم من روح الله ، وكل البشر أيضا من روح الله، أي خُلقوا من قدرة الله. قال تعالى للملائكة في حق آدم (ع):”“فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” الحجر 1529.
وقد خلق تعالى آدم (ع) من دون أبٍ ولا أمٍّ، فهو أعجب من خلق المسيح (ع) ومع هذا فهو ليس بإله.. قال تعالى:“إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” آل عمران 359.
و (روح الله) تعنى أيضاً (نبي الله) أو (المرسل برسالة الله) لأن الناس تحيا معنوياً بالنبوة حياة الشرف والسعادة كما تحيا جسدياً بالروح، وقد وصف تعالى الرسالة السماويّة بالروح فقال عزّ وجلّ: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا” الشورى 4252. ولذلك كان المسيح مظهراً من مظاهر الروحانية الإلهية التي تطبع حياة الرُسل.
أمّا إضافة الروح إلى الله في قولنا (روح الله) فلتشريف المسيح (ع) وجبرئيل (ع) وتعظيمهما كما نقول: (بيت الله) و (ناقة الله) و (أرض الله). قال تعالى على لسان نبيّه صالح: “هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ” هود 1164.