عند الحديث عن الأمانة فإنّ أغلب النّاس يتبادر إلى أذهانهم الأمانة في الأمور الماليّة، إلّا أنّ الأمانة بمفهومها الواسع تستوعب جميع المواهب الإلهيّة والنِّعم الرّبّانيّة على الإنسان.
إنّ جميع النّعم المادّيّة والمواهب المعنويّة الإلهيّة على الإنسان في بدنه ونفسه هي في الحقيقة أمانات إلهيّة بيد الإنسان.
1- الأموال: الأموال والثّروات المادّيّة، والمقامات، والمناصب الاجتماعيّة، والسياسيّة، هي أمانات بيد النّاس، ويجب عليهم مراعاتها وحفظها وأداء المسؤوليّة تجاهها.
2- الأبناء: الأولاد أمانة أيضاً بيد الوالدين، والطلّاب أمانة بيد المعلِّمين، والكائنات الطّبيعيّة أمانة بيد الإنسان لا ينبغي التّفريط فيها.
3- التَّكليف الشّرعي: قد أطلقت الآيات القرآنيّة الأمانة على التّكاليف الإلهيّة، يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾[1]. فالمقصود من الأمانة الإلهيّة هي المسؤوليّة والتّكليف الملقَى على عاتق الإنسان حيث لا يتيسّر ذلك إلّا بوجود العقل والحريّة والإرادة.
4- الصّلاة: وكذلك الرِّوايات أطلقت الأمانة على الصّلاة، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام عندما سُئل عن سبب تغيّر حاله وقت الصّلاة، قال: “جاء وقت الصّلاة، وقت أمانة عرضها الله على السّموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها”[2].
5- عمل الإنسان: عن أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً للأشعث بن قيس: “وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة”[3].
6. الأسرار: في الحديث النّبويّ: “المجالس بالأمانات”[4]، لأنّ في المجالس أسراراً وخصوصيّات لا ينبغي إفشاؤها.
آثار أداء الأمانة
إنّ من أهمّ فوائد أداء الأمانة على المستوى الاجتماعيّ هي مسألة الاعتماد وكسب ثقة النّاس، والحياة الاجتماعيّة مبنيّة على أساس التَّعاون والثِّقة المتبادلة بين أفراد المجتمع.
فلولا وجود الثِّقة والاعتماد لساد قانون الغاب، ولحلّ التَّنافر بدلاً من التّكاتف والتّعاون والتّعامل.
ثمّ إنّه إذا سادت الأمانة في المجتمع، فإنّها ستكون سبباً لمزيد من الهدوء والسّكينة الفكريّة والرّوحيّة، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة يُسبّب القلق والخوف للأفراد، بحيث يعيشون حالة من الإرباك في علاقاتهم مع الآخرين من الخطر المحتمل الّذي ينتظرهم.
والأمانة سبب في كسب المحبّة وتعميق أواصر الصداقة بين أفراد المجتمع، في حين إنّ الخيانة تُعتبر عاملاً للكثير من الجرائم والحوادث السلبيّة وأشكال الخلل الاجتماعي. وفي بعض الروايات إشارة لطيفة إلى هذا المعنى حيث يقول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَير مـا تَحـابُّوا وَتَهـادُوا وَأَدُّوا الأَمـانَةَ وَاجتَنبُوا الحَرامَ وَوَقَّرُوا الضَّيفَ وَأَقـامُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكـاةَ، فَإذا لَم يَفَعَلُوا ذَلِكَ ابتَلَوا بِالقَحطِ وَالسِّنِينَ”[5].
الأمانة تدعو الإنسان إلى صدق الحديث، كما إنّ صدق الحديث يدعو الإنسان إلى الأمانة في الجهة المقابلة، لأنّ صدق الحديث نوع من الأمانة في القول، والأمانة نوع من الصدق في العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ هاتين الصفتين يرتبطان بجذر مشترك وتُعبّران عن وجهين لعملة واحدة، ولذلك ورد في الأحاديث الإسلامية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “إذا قَويَت الأَمـانَةُ كَثُرَ الصّدقُ”[6].
هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الأحزاب، الآية 72.
[2] الحويزي، نور الثقلين، ج 4، ص 313.
[3] نهج البلاغة، تحقيق الصّالح-، ص 366.
[4] الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 75، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر – النجف الأشرف، لا.مط، لا.ط، 1386 – 1966م.
[5] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص 254.
[6] الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص285.