قال الإمام الصادق عليه السلام: “إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كلّ شاغل يُشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله عزّ وجلّ واذكر وقوفك بين يديه، قال تعالى: هنالك تبلوا كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق… وقف على قدم الخوف والرجاء”[1]. فحضور القلب إذاً هو إفراغه من أيّ شيءٍ يُشغله عن الله تعالى وعظمته.
وقد ورد في جامع السعادات: “حضور القلب: وهو أنْ يُفرغ القلب عن غير ما هو ملابسٌ له ومتكلّمٌ به، حتى يكون العلم مقروناً بما يفعله وما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرهما. فمهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذكرٌ لما هو فيه من غير غفلةٍ عنه، فقد حصل حضور القلب. ثم حضور القلب قد يُعبّر عنه بالإقبال على الصلاة والتوجّه، وقد يُعبّر عنه بالخشوع بالقلب..”[2].
والمراد من حضور القلب في الصلاة هو أن يكون مشغولاً وملتفتاً إلى حال الصلاة ومتوجّهاً إلى الله في أفعاله وأقواله وغيرها ومفرّغاً فكره عمّا سوى الحقّ[3].
بقدر حضور القلب تُقبل العبادة
إنّ القلب هو المحور في العبادات، وهو الذي تبتغي العبادة تغييره والتأثير فيه وتشكيله على صورة العبودية وتحويله إلى عابدٍ حقيقي. فما هو السرّ في ذلك؟
إنّ رعاية حضور القلب في العبادات هو أحد أهمّ الآداب القلبية، إذ ليس للعبادة من دونه روحٌ أو معنىً، وهو مفتاح الكمالات والسعادة.
وقد ورد عن رسول الله محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم: “مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُحَدِّثْ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَه”[4].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَّ مِنَ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبُعُهَا وَخُمُسُهَا إِلَى الْعُشْرِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِقَلْبِك”[5].
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ عَبْدٍ لَا يَحْضُرُ قَلْبُهُ مَعَ بَدَنِه”[6].
وعن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنّهما قالا: “إِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا”[7].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إِذَا أَحْرَمْتَ فِي الصَّلَاةِ فَأَقْبِلْ عَلَيْهَا فَإِنَّكَ إِذَا أَقْبَلْتَ أَقْبَلَ اللهُ عَلَيْكَ وَ إِذَا أَعْرَضْتَ أَعْرَضَ اللهُ عَنْكَ فَرُبَّمَا لَمْ يُرْفَعْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا الثُّلُثُ أَوِ الرُّبُعُ أَوِ السُّدُسُ عَلَى قَدْرِ إِقْبَالِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلَاتِهِ وَ لَا يُعْطِي اللهُ الْغَافِلَ شَيْئاً”[8].
بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، الباب التاسع والثلاثون، في افتتاح الصلاة، ص87.
[2] النراقي، محمد مهدي بن أبي ذر، جامع السعادات، نشر الأعلمي، بيروت، الطبعة الرابعة، ج3، ص 323.
[3] راجع السيد عبد الحسين دستغيب، صلاة الخاشعين، دار التعارف، ص 35.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص249.
[5] م. ن، ص260.
[6] م. ن، ص 242.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص363.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص 266.