المقصود بقساوة القلب في المفهوم الديني والمعنوي هو غلظة القلب وتحجره وعدم خشوعه وتأثره بذكر الله ومواعظه.
و القلب القاسي قلب مغلق ليس فيه الخير و لا توجد فيه الرحمة و الرقة فهو قلب مذموم بل و من علامات شقاء صاحبه ، فقد رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام عَنِ النَّبِيِّ صلى الله علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: ” يَا عَلِيُّ أَرْبَعُ خِصَالٍ مِنَ الشَّقَاءِ ، جُمُودُ الْعَيْنِ ، وَ قَسَاوَةُ الْقَلْبِ ، وَ بُعْدُ الْأَمَلِ ، وَ حُبُّ الْبَقَاءِ ” 1 خلافاً للقلب الرحيم و الرقيق و اللين فإنه ممدوح و من علامات السعادة و الصلاح .
قساوة القلب في القرآن الكريم
لقد ذم الله سبحانه وتعالى القلوب القاسية وأصحابها الذين لا يقبلون الوعظ والارشاد وتأبى قلوبهم القاسية الخشوع أمام كلمة الحق، بل وفضل الصخور الصماء القاسية في ظاهرها على القلوب القاسية التي لا تلين لذكر الله و إن كانت في ظاهرها لينة و طرية.
قال الله عَزَّ وجَلَّ: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 2.
و قال جل جلاله : (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) 3.
و قال سبحانه و تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) 4.
موجبات قساوة القلب
ذكرت الروايات والأحاديث عدداً من الأمور التي تورث قساوة القلب نذكرها كالتالي:
الغفلة عن ذكر الله عَزَّ وجَلَّ: جاء في وصية الامام محمد الباقر لجابر بن يزيد الجعفي: ” … وإِيَّاكَ والْغَفْلَةَ فَفِيهَا تَكُونُ قَسَاوَةُ الْقَلْب ” 5.
أكل الدم: رُوِيَ عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال في حديث ” … وأَمَّا الدَّمُ فَإِنَّهُ يُورِثُ آكِلَهُ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ 6
وَ يُورِثُ الْكَلَبَ 7 وَ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ وَ قِلَّةَ الرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَنَ عَلَى حَمِيمِهِ وَ لَا يُؤْمَنَ عَلَى مَنْ صَحِبَهُ … ” 8 .
شرب الخمر : رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قَالَ : ” الْعَبْدُ إِذَا شَرِبَ شَرْبَةً مِنَ الْخَمْرِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ ، فِي الْأَوَّلِ قَسَا قَلْبُهُ ، وَ فِي الثَّانِي تَبَرَّأَ مِنْهُ جَبْرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ وَ إِسْرَافِيلُ وَ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ ، وَ فِي الثَّالِثَةِ تَبَرَّأَ مِنْهُ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَئِمَّةِ ، وَ فِي الرَّابِعَةِ تَبَرَّأَ مِنْهُ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَ الْخَامِسُ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) 9 ” 10 .
كثرة الطعام و الشراب: فقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال : “مَنْ تَعَوَّدَ كَثْرَةَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ قَسَا قَلْبُهُ ” 11 .
وَ رُوِيَ: ” مَنْ قَلَّ طَعَامُهُ صَحَّ بَدَنُهُ وَ صَفَا قَلْبُهُ، وَ مَنْ كَثُرَ طَعَامُهُ سَقُمَ بَدَنُهُ ” 12.
أكل اللحم اربعين يوما بصورة متوالية: رُوِيَ عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ” مَنْ أَكَلَ اللَّحْمَ أَرْبَعِينَ يَوْماً صَبَاحاً قَسَا قَلْبُهُ ” 13.
طرح التراب على ذي الرحم من الأموات: فعَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ : مَاتَ لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 14 عليه السلام وَلَدٌ فَحَضَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَمَّا أُلْحِدَ تَقَدَّمَ أَبُوهُ فَطَرَحَ عَلَيْهِ التُّرَابَ ، فَأَخَذَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِكَفَّيْهِ وَ قَالَ : ” لَا تَطْرَحْ عَلَيْهِ التُّرَابَ ، وَ مَنْ كَانَ مِنْهُ ذَا رَحِمٍ فَلَا يَطْرَحْ عَلَيْهِ التُّرَابَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله نَهَى أَنْ يَطْرَحَ الْوَالِدُ أَوْ ذُو رَحِمٍ عَلَى مَيِّتِهِ التُّرَابَ ” .
فَقُلْنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ تَنْهَانَا عَنْ هَذَا وَحْدَهُ؟
فَقَالَ: ” أَنْهَاكُمْ مِنْ أَنْ تَطْرَحُوا التُّرَابَ عَلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْقَسْوَةَ فِي الْقَلْبِ، وَ مَنْ قَسَا قَلْبُهُ بَعُدَ مِنْ رَبِّهِ ” 15 .
موجبات لين القلب وصلاحه
هناك أمور توجب لين القلب و رقته أشارت اليها الاحاديث و الروايات.
كرم الأصل: فقد رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في حديث للمفضل بن عمر: ” … وَ مَنْ كَرُمَ أَصْلُهُ لَانَ قَلْبُهُ وَ مَنْ خَشُنَ عُنْصُرُهُ غَلُظَ كَبِدُهُ … ” 16.
ملاطفة الايتام و المسح على رؤوسهم: فقد رُوِيَ عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : ” مَنْ أَنْكَرَ مِنْكُمْ 17 قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَلْيَدْنُ يَتِيماً فَيُلَاطِفُهُ وَ لْيَمْسَحْ رَأْسَهُ يَلِينُ قَلْبُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، إِنَّ لِلْيَتِيمِ حَقّاً ” 18.
وَ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: ” يُقْعِدُهُ فِي خِوَانِهِ وَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ يَلِينُ قَلْبُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَانَ قَلْبُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ” 19.
اكل العدس: رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: شَكَا رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَسَاوَةَ الْقَلْبِ؟
فَقَالَ لَهُ: ” عَلَيْكَ بِالْعَدَسِ فَإِنَّهُ يُرِقُّ الْقَلْبَ وَ يُسْرِعُ الدَّمْعَةَ ” 20.
الهوامش:
1. الخصال: 1 / 242، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، الطبعة الأولى، سنة: 1403 هجرية، قم/إيران.
2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 74، الصفحة: 11.
3. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 43، الصفحة: 132.
4. القران الكريم: سورة الحديد (57)، الآية: 16، الصفحة: 539.
5. تحف العقول : 285 ، لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري.
6. الماء الأصفر : (استسقاء البطن) ويسمى الحبن، و الحبن هو تراكم السوائل داخل البطن.
7. قال العلامة الطريحي : الكَلَب بالتحريك : داء يعرض للإنسان من عض الكلب . راجع : مجمع البحرين : 2 / 163 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
8. من لا يحضره الفقيه : 3 / 314 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
9. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 20، الصفحة: 416.
10. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 76 / ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
11. طب النبي : 23 ، لجعفر بن محمد المستغفري ، المتوفى سنة 432 هجرية ، طبعة المكتبة الحيدرية النجف الأشرف / العراق ، سنة 1385 هجرية .
12. الدعوات ( سلوة الحزين ): 77، لسعيد بن هبة الله قطب الدين الراوندي، المتوفى سنة: 573 هجرية، الطبعة الأولى سنة: 1407 هجرية، طبعة مدرسة الامام المهدي، قم/إيران.
13. المصدر السابق : 24 .
14. أي الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام .
15. الكافي : 3 / 199 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
16. الكافي : 1 / 27 .
17. أي من كان لا يحب أن يبتلى بقسوة القلب .
18. ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 200 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة دار شريف الرضي للنشر ، الطبعة الثانية ، سنة : 1406 هجرية ، قم / إيران .
19. نفس المصدر السابق .
20. الكافي : 6 / 343 .