يذهب كثير من الباحثين إلى أن المراحل الأولى من نمو البنت وخاصة في الجانب النفسي هي أهم مرحلة في بناء شخصية الفتاة، وإذا علمنا أن السنوات الخمس الأولى من عمرها إنما تقضيها بين أحضان أسرتها فإن مسؤولية الوالدين تتأكد في هذه المدة.
وإن من أهم واجبات الوالدين تجاه البنت توفير الدفء والحنان والشعور بالأمان والرعاية النفسية بما يجعلها تقتنع بأنها في عالم لا ترغب في التمرد عليه أو الاستغناء عنه، أو البحث عن بدائل أخرى أكثر تجاوبا وتفهما لنفسيتها وحاجاتها.
فالبنت التي تشعر بأن أباها قريب منها يلامس شعرها ويقبّل خدها و يحضنها ويلعب معها هي محصّنة نفسيا بإذن الله ضد أي انحراف أو إغراء يمارس عليها خارج أسرتها بدعوى مصلحتها والإشفاق عليها.
ودليل هذا أن كثيرا من التقارير الجنائية تعزو انجراف الفتاة نحو الرذيلة والسلوك المخل بالحياء إلى سوء المعاملة الوالدية والإهمال للبنت في صغرها، فيتولد لديها شعور بالحرمان العاطفي تريد إشباعه بأي طريقة عند غيرهما، بل بعض الدراسات الميدانية تصرّح فيها البنت بكل مرارة أن أباها ما قبّلها يوما أو احتضنها حينا.
ومن صور الإشباع السلبي أن بعض المعلمات تتفاجئ باعترافات تلميذتها المراهقة حين تصارحها بأنها تشعر بميل وانجذاب عاطفي نحوها لا يفارقها ليلا ولا نهارا وأنها أصبحت عالمها الوحيد الذي لا يفارق مخيلتها، بل ربما زاد الأمر على حده إذا أشعرت أستاذتها بالانزعاج والقلق من اهتمامها بغيرها وربما أدى ذلك بدافع الغيرة الوهمية إلى كره زميلاتها في الفصل اللواتي ينافسنها معلمتها ومثلها الأعلى.
إن هذه الصور السلبية وغيرها ليدعو بإلحاح إلى ضرورة الاهتمام النفسي والرعاية السلوكية للبنت الصغيرة وهي في محضن الأسرة تتفيأ في ظلالها أنس الحب وقبلة العطف ولمسة الحنان يغدقها الأبوان باستمرار على صغيرتهما فلا يحوجانها إلى غيرهما.
ولا يظن الأب أن توفير الحاجات المادية لابنته من جوال وسائق ومصروف يومي وغرفة مؤثثة بكل ما يلزم كفيل بإشباع حاجاتها النفسية، بل ربما يكون لهذا أثر سلبي على سلوك الطفلة حين تسيء استخدامها، إذ يكرس دلعها ويشعرها بأنها كبيرة لها مطلق التصرف فيما تملكه.
وتزداد الحالة سوءً إذا كانت البنت أكبر من أخيها الصغير الذي يحظى باهتمام الوالدين المبالغ فيه من احتضان وتقبيل على مرأى أخته التي ما عوملت بهذا اللطف في صغرها.