جهاد التبيين فريضة حتميّة وفوريّة
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 8/2/2022 في لقاء مع قادة ومنتسبي القوّات الجويّة حيث يُشدّد سماحته في هذه الكلمة على أهميّة جهاد التبيين وكونه فريضة حتميّة وفوريّة، ويلفت قائد الثورة الإسلاميّة إلى الهجوم المركّب الذي يشنّه الأعداء في هذا العصر، فيدعو إلى مقابلته بهجوم مركّب وعدم الاكتفاء بالتموضع في وضعيّة الدفاع، كما يشير سماحته إلى أنّ أمريكا تلقّت وستتلقى الضربات من حيث لا تحتسب، وأنّ رئيسا الولايات المتحدة الأخيرين يريقان ما تبقى من ماء الوجه لأمريكا.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
التزام رأي الخبراء الطبيّين
أهلاً وسهلاً بكم(1)، أيها الإخوة الأعزاء، الأصدقاء الطيّبون في القوة الجوية النشيطة التابعة لجيش جمهورية إيران الإسلامية. ظروف كورونا غير المواتية لم تسمح لنا بعقد هذا اللقاء على النحو الذي نتمناه. كنت أود أن نلتقي هنا مع جمع أكثر منكم، أيها الأعزاء، ونتحدث براحة أكبر وعلى نحو أفضل، لكنني ملتزم الضوابط التي يعلنها الأطباء. أنا ملتزم إياها، أي أرى أنّ من واجبي أنْ أعمل بها، وأنا أعمل بها. لديهم إصرار على الكمامة. وتلقيت أيضاً الجرعة الثالثة من هذا اللقاح، بالطبع منذ مدة، أيْ قبل بضعة أشهر. أنا ملزم فعل كل ما يراه الأطباء المحترمون مناسباً وضرورياً. كما أوصي أبناء شعبنا الأعزاء بالاهتمام والاستماع لأقوال المختصّين والخبراء في هذا المجال وفعل ما يراه هؤلاء مناسباً وضرورياً. على أي حال، عُقد اللقاء بهذا النحو الذي هو عليه اليوم. أهلاً وسهلاً بكم، ونتمنى أن يوفقكم الله جميعكم، إن شاء الله.
المعرفة لقدر شهر رجب من أجل التضرّع والصّفاء النّفسيّ
طبعاً إنها أيام شهر رجب. أول كلام لي هو أن نعرف قدر هذا الشهر وهذه الأيام. شهر رجب: شهر التوسل، شهر التضرع، شهر الدعاء، شهر التصفية النفسية والروحية. يجب تقريب القلوب إلى الله، وخاصة شبابكم، الشباب الموجودين في اللقاء والموجودين في القوة [الجوية]. جميعنا بحاجة إلى تقوية العلاقة مع الله. في كل لحظة من لحظات عمرنا، نحتاج إلى تعزيز علاقتنا مع الله، وهذه الأيام من شهر رجب تتناسب مع هذه [الحاجة]، وهي أرضية للفيوض الإلهية والمعنوية.
بيعة «19 بهمن» بيعةٌ مع المُثل لا مع شخص
حسناً، اليوم هو التاسع عشر من بهمن (8 شباط/فبراير). هذا هو يوم البيعة المذهلة للقوة الجوية. يوم خطوة تاريخية ونقطة تحوّل على يد القوة الجوية. ربما لم يكن هناك أحد من الجيل الحالي من القوة الجوية موجوداً في ذلك اليوم. ثمة كثيرون من الشباب ربما لم يكونوا قد وُلدوا في ذلك اليوم أيضاً، لكنني أعتقد أن كل أولئك الذين يعملون اليوم بحس المسؤولية في القوة الجوية هم شركاء في إعلان تلك البيعة. أنتم أنفسكم لم تكونوا موجودين في ذلك اليوم، أو ربما لم تكونوا في القوة [الجوية] – حتى مجمل خبرتكم العملية لا تصل إلى ذلك المقدار [من السنوات] – لكنكم شركاء في الحركة التي حدثت في ذلك اليوم، وفي الافتخار لذلك اليوم وفضيلته. لماذا؟ لأن الشباب الذين أتوا ذلك اليوم – الضباط والرتباء وفي الغالب ضباط الاختصاص – وشاركوا في ذلك الاجتماع واللقاء المذهل وأعلنوا البيعة لم تكن بيعتهم بيعة مع شخص؛ كانت هذه البيعة بيعة مع المُثل، بيعة مع ذلك الجهاد المقدس الذي كان الإمام [الخميني] هو القائد المقتدر له. جاء هؤلاء وجلبوا القوة الجوية إلى تحت مظلة هذه القيادة المقتدرة والعظيمة والمذهلة. لقد كان هذا العمل عملاً معنوياً، ولذلك هو مستمر. لم يكن هذا العمل قضية حدثت في ذلك اليوم وانتهت. لا، هذا العمل قائم. أيّ شخص في أيّ عصر يسير في طريق تلك المُثل في الواقع هو شريك ومساهم في هذه الحركة. لذلك أنتم أيضاً من بين الذين يتمتعون بافتخارات التاسع عشر من بهمن.
بيعة القوّة الجوّيّة هي الضّربة الأخيرة في جسد النّظام البهلويّ
كانت حركة القوة الجوية في ذلك اليوم هي الضربة الأخيرة إلى الجسد المهترئ للنظام البهلوي، التي أسقطت الخيمة المشؤومة للنظام البهلوي ودمّرتها. هذه الحركة كانت مؤثرة، وكانت فعّالة جداً. في ذلك اليوم نفسه، قال الإمام (قده) في كلمته(2) التي وجهها إلى ذلك الحشد الذي جاء: لقد حررتم الجيش، وحوّلتموه من خدمة الطاغوت إلى خدمة الإسلام. حتى اليوم كنتم في خدمة الطاغوت، وأنتم الآن جلبتموه ووضعتموه في خدمة الإمام. وكانوا يهتفون: «كلنا جنودك»، فقال الإمام إنكم جنود صاحب العصر (عج)، أنتم جنود القرآن والإسلام، وقد أتيتم تمشون في هذا النهج. وهكذا كان واقع الأمر طبعاً.
فهم احتياجات اللّحظة
هناك بعض النقاط في هذا الصدد. نقطةٌ هي أن هذه الحركة كانت حاجة اللحظة. أنا أركّز على هذه القضية كثيراً وأكّدتها مرات عدّة(3). يجب دائماً أن نفهم في عملنا حاجة اللحظة. هناك أفعال إذا أديتموها الآن، فإنها ستصيب الهدف. ولو أنكم فعلتم العمل نفسه في غير هذا الوقت، فلن يكون ذا فائدة. يجب تشخيص حاجة اللحظة. دائماً تستطيعون أداء هذا العمل. في القوة الجوية [مثلاً]، انظروا ما تحتاجه القوة الجوية اليوم، واعملوا ذلك العمل في اللحظة. في رأيي، كان هذا من أهم الأفعال الذكية لتلك المجموعة، وإلّا لو عملوه – على سبيل الافتراض – بعد عشرة أيام، أو بعد عشرين يوماً، فلن يكون له هذا التأثير إطلاقاً. كان له هذا التأثير في ذلك اليوم. لقد شخّصوا حاجة اللحظة. هذا درس لنا.
حسابات الأعداء المخطئة دلالة على الوعد الإلهيّ الصّادق
هناك نقطة أخرى مُلهمة للعِبَر، ولا بُدّ أيضاً من استلهام العِبَر والدّروس منها أيضاً، وهي أنه خلال هذه الحركة للقوّات الجويّة تلقّى نظام الطاغوت الضّربة من المكان الذي لم يكن يتوقّعه. لم يكن يحسب أن يتلقّى الضّربة من هنا، مثل ما ورد في سورة الحشر من القرآن الكريم: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا (2)}. يتحدّث عن قبائل اليهود التي وجّه الله المتعالي إليها ضربة من المكان الذي لم تتوقّعه. هكذا كانت الحال. لم يكن أحدٌ من نظام الطاغوت يتوقّع أن يتلقّى ضربة من الجيش وقوّاته الجويّة تحديداً! هؤلاء كانوا قد استثمروا كثيراً في القوّات الجويّة للجيش. وداعموهم الأمريكيّون استغربوا أيضاً. الجنرال هايزر(4) الذي تعلمون أنّه جنرال أمريكيّ وكان الشّخص الثاني في حلف «الناتو» حينذاك، أرسله الأمريكيّون إلى طهران لكي يأتي إلى هنا ويُلملم الجيش، وأن يمنع سقوط النّظام بأيّ طريقة كانت، حتى إن كان ذلك عبر انقلاب دمويّ. أي كان قد قرّر لو اضطرّ الأمر أن يَقتل مئات الآلاف في طهران. فكان هايزر قد جاء إلى طهران بهذه النية، وطبعاً باء بالفشل ولقيَ الشّقاء وولّى الأدبار. هذا ما يكتبه هايزر في مذكّراته. طبعاً لم أطّلع شخصيّاً على هذا الكتاب بل نقلوا إليّ ذلك. يقول إنّ القوّات الجويّة كانت المكان الذي لم نكن نتوقّع منه أدنى زعزعة، بسبب كذا وكذا… إلى أن يقول إنّ تلك القوات كانت على تواصل وطيد مع أمريكا من ناحية القيادة والتدريب. لعلّ كثيرين من الذين شاركوا في ذاك الحدث التاريخيّ العظيم ذلك اليوم كانوا بغالبهم من الأشخاص الذين تعلّموا في أمريكا وعلى معرفة هناك بالثقافة الأمريكيّة. لكنّ هؤلاء تلقّوا الضّربة منهم. حسناً هذه دلالة على الوعد الإلهيّ الصادق، إذ يقول الله – عزّ وجل -: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} (الطارق، 15)، {وأَكـيدُ كَيدًا} (الطارق، 16)؛ يدبر الأعداء المكيدة، وفي المقابل أيضاً أنا أكيدهم. في موضع آخر [يقول الله]: {فَالَّذينَ كَفَروا هُمُ المَكيدون} (الطارق، 42). في قضية جبهة الحق والباطل جبهةُ الباطل هي التي تتلقى الضربة. وهكذا هي الحال دائماً. أي في هذه القضية، خرجت حسابات الأمريكيين بنتائج مخطئة. فهم أجروا حسابات بشأن القوة الجوية في جيش الطاغوت، وهذه الحسابات خرجت مخطئة. لم يتصوروا أنها ستخرج كذلك.
الحضور في الميدان والأمل والمثابرة شروط الانتصار والتّقدم
أريد أن أقول إنه أينما دخلت قوة الحق، قوة الإسلام، إلى الميدان ضد الكفر، فإن العدو يخطئ في حساباته، رغم كل عظمته وجبروته الظاهريَّين اللذين لا باطن ولا مضمون لهما. دوماً كان الأمر كذلك. وهو كذلك بشأن الثورة أيضاً. حدث هذا في بداية [الثورة]، وخلال هذه السنوات الأربعين أيضاً حدث الشيء نفسه، إذْ كانوا يحسبون ويعتقدون دائماً أنهم يوجهون الضربة الأخيرة [لكن] هم الذين تلقّوا ضربة.
إذا كنتم حاضرين وفعّالين في ميدان الجهاد – أيّ جهادٍ؛ كل مرحلة يلزمها نوع من الجهاد، فلدينا جهاد عسكري وآخر علمي، ولدينا جهاد بحثي، أي الجهاد بجميع أنواعه – فإنكم ستهزمون العدو. لماذا؟ لأن الله المتعالي قد جعل الأمور كذلك، فتخرج حسابات العدو مخطئة، لا يستطيع الحساب بصورة صحيحة ولا التقدير على نحو صحيح. اليوم أمريكا نفسها مصابة بهذه المشكلة: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}؛ أمريكا تتلقى ضربة اليوم من مكان لم تكن تحسبه إطلاقاً. اليوم يتكاتف رئيسا الولايات المتحدة، [أي] الرئيس السابق(5) والحالي(6) معاً ليُكملا الإراقة لماء وجه أمريكا! إنهم يفعلون ذلك. هذا بطريقة وذاك بطريقة. هل كانوا يحسبون هذا؟ هل كانوا يفكرون فيه؟ إنهم يضعفون أنفسهم يوماً بعد يوم، وهذا سيستمر. لذلك إنها نقطة مهمة أن نعرف أنه إذا كنتم حاضرين في الميدان وحيويين وفعّالين وتثابرون بأمل، فإن الغلبة والنصر سيكونان حليفيْكما حتماً.
استمرار الخطوات الجهاديّة في القوّة الجوّيّة
دلالة على العمق لحركة ضبّاط الاختصاص
نقطةٌ أخرى هي أنه لا ينبغي لأحد أن يظن أن حركة أولئك الشباب في ذلك اليوم كانت على أساس مشاعر عابرة وعواطف. لم تكن كذلك. نعم، المشاعر لها دور في هذه الأفعال بالتأكيد، لكن [الحركة] كانت ذات سند وذات عمق، وكانت موجّهة.
طبعاً لديّ كثير من الذكريات في هذه القضية لكن ما يدل على عمقها أن هذه الحركة استمرت في القوة الجوية. لو كانت حركة ظرفية، لم تكن لتستمر. لقد استمرت هذه الحركة في القوة الجوية. في بدايات انتصار الثورة، نشأ قِسم جهاد الاكتفاء الذاتي للقوات المسلحة في القوة الجوية، [بينما] لم يكن هناك جهاد الاكتفاء الذاتي حتى ذلك الحين في أيّ مكان في الجيش ولا في البلاد ولا أيّ مؤسسة. شكّل الشباب المتديّنون والثوريّون في القوة الجوية جهاد الاكتفاء الذاتي، وبدؤوا العمل والمثابرة من اليوم الأول، وقد تم إنجاز أعمال عظيمة حتى يومنا. وغير ذلك أنجزت القوى الجهادية التابعة في القوة الجوية أعمالاً عظيمة في القوة الجوية نفسها. كان من أوائل الأعمال المنجزة عام 1979 إحباط المؤامرة في قاعدة تبريز. لقد كان الشهيد فكوري قائد قاعدة تبريز في ذلك الحين. حدثت مؤامرة في القاعدة، والمخربون كانوا قد حاصروا هذا الشهيد على نحو أشبه باعتقاله. ففرقهم أبناء القوة الثوريون أنفسهم دون أن يطلبوا المساعدة من أي مكان، وأخذوا الشهيد فكوري وأتوا به إلى طهران. هذه إحدى القضايا أوائل عام 1358 (1979). في قضية انقلاب قاعدة همدان – قاعدة الشهيد نوجِه – تسبب شخص في إحباط هذا الانقلاب الذي كانت كل أشيائه جاهزة – كانت تفاصيل الانقلاب كلها محسوبة بمساعدة الأمريكيين – وكان ضابطاً شاباً، إذ جاء وأبلغ، وفوراً بدأت الأجهزة المعنية العمل – شباب «حرس الثورة الإسلامية» وشباب الأمن وشباب آخرون من أمثالهم – وأحبطوا المؤامرة وقضوا على الانقلاب. شباب القوة الجوية فعلوا ذلك بأنفسهم. جاء ضابط شاب، شابٌ طيّار، وبلّغ، أي شباب القوة بأنفسهم. القوة نفسها فعلت ذلك. وقضايا أخرى كانت كذلك. في بداية «الدفاع المقدس»، في تلك الأيام الأولى لـ«الدفاع المقدس»، جاء أبرز عمل للقوة الجوية للجيش، أي الطلعات التي نفذتها القوة الجوية في غضون بضعة أيام وكانت منقطعة النظير. كنت عضواً في البرلمان في ذلك الوقت وأيضاً ممثلاً عن الإمام في القوات المسلحة. ذهبت إلى المجلس وقدّمت تقريراً، فاندهش الجميع من أهمية هذا التقرير. في غضون ثلاثة أيام أو أربعة، نفذت القوة الجوية للجيش مئات من الطلعات الجوية. الأجهزة والمؤسسات الأخرى لم تكن أدركت بعد ما الذي يجري وماذا يجب أن تفعل أساساً. لقد كانت القوة الجوية أول المبادرين.
دور البصيرة في حركة القوّة الجوّيّة وبيعتها
هذا استمرارٌ للحركة الأولى. السبب في قولي إن هذه الحركة لم تكن حركة عاطفية أنّها استمرت وظلّت متواصلة داخل القوة الجوية. عندئذ ستجعل تلك الروح والبصيرة الشهداءَ البارزين يكشفون عن وجوههم في القوة [الجوية] وفي الجيش كلّه أيضاً: الشهيد صياد شيرازي، الشهيد بابائي، الشهيد ستاري، الشهيد كلاهدوز… وأمثال هؤلاء وآلاف الشهداء الآخرين – طبعاً هؤلاء هم البارزون منهم وهناك كثيرون من الأشخاص البارزين – حتى داخل الجيش، وهناك بعض الأشخاص من الضباط في عهد الطاغوت أيضاً هم في صف الشهداء [مثل] الشهيد فلاحي.
كان فلّاحي عميداً في الجيش في عهد الطاغوت لكن حالة الثورة وحالة الجيش وهذا التحوّل العظيم جعل فلّاحي يصير شهيداً. والشهيد فكوري أيضاً. كان هؤلاء من كبار الضباط قبل الثورة. إذن، كانت هي البصيرة. وكان هناك عمق، وثمة بصيرة، حتى تم ذلك العمل: أن يأتي هذا الحشد ويؤدون ذلك العمل العظيم، ويُتمّون تلك البيعة التاريخية.
إذلال المستشارين الأمريكيّين ضباطَ القوّة الجويّة
من عوامل بصيرتهم
الآن ما سبب هذه البصيرة؟ لماذا لم يكن لدى الآخرين هذه البصيرة؟ يمكن افتراض عوامل مختلفة بالنسبة إليه، ولكن ربما كانت مشاهدة أبناء القوّة الجويّة ديكتاتورية المستشارين الأمريكيين وهيمنتهم من كثب عاملاً رئيسياً في هذه البصيرة. لم يكن لأمريكا مثل هذه الهيمنة في أي مكان في الجيش، فقد كانت القوّات الأمريكيّة تضمّ عشرات الآلاف من المستشارين. كان هناك ما يزيد عن 40 ألفاً ونحو 50 ألف مستشار عسكريّ أمريكيّ في إيران. هؤلاء كانوا متموضعين في القوّة الجويّة. فضلاً عن تسلّطهم [هناك أيضاً] إذلال القادة، وقلة الاعتبار للعنصر الإيراني – لم يكونوا يحسبون له حساباً أبداً، وكانوا على ارتباط مع رجال البلاط، ولم يكونوا يحسبون أيضاً لهؤلاء حساباً أبداً – وكانوا يبيعون المعدات، ولم يسمحوا للعناصر التقنيّة بالتعرف إلى المعدات، لا للضباط التقنيّين ولا الرتباء التقنيّين، ولا حتّى لضباط الاختصاص الذين كانوا مخصصين لهذه المَهمة. لم يُسمح لهم بالتعرف إلى المعدّات، ولم يُسمح لهم بإصلاح قطع الغيار. لم يسمحوا بفتح قطعة الغيار التي تتكون من قطع عدة. كانوا يأخذونها على متن طائرة إلى أمريكا، ويستبدلون أخرى بها، ويأخذون ثمنها، أي كانوا يهينون الإيرانيين بهذه الطريقة. لقد شهدوا هذا من كثب. طبعاً هناك فساد أخلاقي أيضاً لا يمكن الحديث عنه. كانت لديهم ممارسات فظيعة، فحضور الأمريكيين في الجيش قصة مُحزنة حقاً.
حسناً، لعلّ شبابنا لا يعلمون أنّ أمريكا وبريطانيا استغلّتا مرّات عدّة جيشنا من أجل قمع الشّعوب الأخرى، ومن جملتها فيتنام. أخذوا طائراتنا إلى فيتنام لكي يقصفوا الفيت-كونغيّين(7) الذين كانوا يكافحون ضدّ أمريكا المعتدية والمُهاجمة في غابات فيتنام. هكذا كانت الحال. وفي أماكن أخرى أيضاً. حتّى أنّه قيل لي – لم أعرف ذلك من كثب – أنّه توجد مستندات موثقة تشير إلى أنّ طائرات «الفانتوم» الإيرانيّة كانت توضع في تصرّف الكيان الصهيوني أيضاً. حسناً، لأيّ غرض كان سيستفيد منها؟ لا بدّ أنّه كان يستخدمها لقمع الفلسطينيّين، أو من أجل التصدّي للدول العربيّة المقاومة في ذلك اليوم: مصر وسوريا وأمثالهما. فالأجهزة التي كانت مِلك إيران والإسلام كانت تُسخّر لخدمة أمريكا وأهدافها الرامية إلى قمع المظلوم ودعم الظالم. حسناً هذه قضايا مهمّة فعلاً ولا بدّ من التعرّف إليها. لقد كانت خيانة، وطبعاً خيانات النظام البهلوي ليست واحدة أو اثنتين، لكن هذه من النماذج المهمّة على خيانات النظام البهلوي. كانت خيانة للجيش وللشعب أيضاً، لأنّهم كانوا يهدرون مقدّرات الشعب لخدمة أمريكا، وكانت أيضاً جريمة بحقّ الشعوب المسلمة الأخرى.
جهاد التّبيين فريضة حتميّة وفوريّة مقابل تحريف الأعداء الحقائقَ
الشيء الذي أريد أن أركّز عليه أكثر، وألفت انتباهكم والآخرين الذين يسمعون هذا الكلام، هو «جهاد التبيين» الذي أشرت إليه مراراً وتكراراً(8). أود القول إنه في اليوم الذي حدثت فيه هذه الحركة التاريخية في الثامن من شباط/ فبراير تجاه الإمام [الخميني]، لو لم تُنشر تلك الصورة المنشورة لهذا الحدث، أي لو لم يتم هذا العمل التبييني، فلم يكن هذا الحدث ليُخلّد على هذا النحو، ولم يكن ليترك تأثيراً. سيكون حدثاً مثل عدد من الأحداث الأخرى التي تحدث وتُنسى. إنّ السبب في خلود هذه الحادثة وتأثيرها تلك الصورة الفنية نفسها التي تم نشرها. هذا هو التبيين. هذا هو التبليغ والتوضيح. ببركة عمل إعلامي محدود وصغير – لم تكن الإمكانات الإعلامية كما هي اليوم، بل كانت محدودة جدّاً – صارت خطوة مثل بيعة القوّة الجويّة في الثامن من شباط/ فبراير تاريخيةً، وصارت خالدة ومؤثّرةً وخطوةً تحوّليّة. هذه هي مسألة «الرواية الصحيحة». مسألة «الرواية الصحيحة» التي أؤكّدها هي أنّه مع توسع الإعلام قد ازدادت أهمية القضية بالقدر نفسه أيضاً. إذا ما قارنّا [الوضع] الحالي مع ذلك اليوم، فلا يمكننا أن نقول مئات المرات، بل ربما تغيّرت الأمور آلاف المرات وسط هذا الفضاء المجازي وهذه الأقمار الاصطناعية والأشياء الموجودة اليوم ولم تكن من قبل.
اليوم السياسة القاطعة لوسائل الإعلام المعادية للجمهورية الإسلامية وللإسلام هي تحريف الحقائق، وهم منشغلون [في ذلك]. إنّهم يعملون باستمرار على تحريفها، وبث الأكاذيب. يخلطون الأخبار المرتبطة بالجمهورية الإسلامية ويمزجونها بأنواع الأكاذيب شتى وأقسامها – الأكاذيب الاحترافيّة التي جلسوا وعملوا من أجلها وعوّلوا عليها – ويزينون ويجمّلون الوجه القبيح والفاسد لنظام الطاغوت ويتسترون على آلاف الجرائم والخيانات التي ارتكبوها.
كان «السافاك» في نظام الطاغوت مكاناً يجري فيه تنفيذ أنواع التعذيب المعتمدة جميعها لدى وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية. ربما جرى اختبار بعضها تجريبياً وتطبيق عدد منها، إذ إن كثيرين ممن عانوا من هذا التعذيب ما زالوا على قيد الحياة، وما زالت آثار هذا التعذيب على أجسادهم، ولا يزالون يتألمون. حتى أنهم يريدون تزيين وجه «السافاك» وتجميله، هذا الخبيث والقبيح والمليء بالجرائم، وإظهاره بطريقة مختلفة! فعنصر «السافاك» في ذلك اليوم، الذي ربما كان الاسم الأقبح في البلاد، يكتب مذكرات ويتحدث بطريقة كأن «السافاك» – مركز التعذيب والقمع وما شابه – كان لديه وجه مضيء ولامع. في المقابل، وفي ما يخصّ الثورة، هم يشوهون قدر إمكانهم صورة الثورة، وصورة الإمام، ونشاط تلك السنوات الأربعين. يحاولون تشويه ذلك قدر الإمكان. لا تُشاهدون في هذه الإمبراطورية الإعلامية للغرب أيّ إشارة إلى التقدم ونقاط القوة إطلاقاً. [إنّهم] يكتمون الحقائق. على العكس، إن كان هناك نقطة ضعف – هي موجودة بالطبع، فلا يوجد بلد ولا نظام بلا نقطة ضعف – يضخمون النقطة البسيطة مئات المرّات ويُظهرونها. هذا عمل عجيب يحدث اليوم. ولهذا إنّ «جهاد التبيين» فريضة. «جهاد التبيين» فريضة حتميّة وفوريّة، وكل من يستطيع عليه ذلك. وسأشير لاحقاً إلى أن المسؤولين تقع عليهم المسؤولية أكثر هذا الصدد.
دكتاتوريّة القوى الغربيّة في مختلف المجالات بما في ذلك الإعلام
حسناً، إن القوى الغربيّة معروفة بالدكتاتوريّة، أي هؤلاء أنفسهم الذين وفق ظنّهم ووفق ادعائهم يريدون مكافحة الدكتاتوريّات في العالم، هؤلاء أنفسهم الأكثر دكتاتوريّةً. وهم في المجالين السياسيّ والاقتصاديّ يُمارسون الدكتاتوريّة تجاه العالم أجمع. وقد أضافوا نوعاً على هذه الدكتاتوريّات، وذلك النوع هو الدكتاتوريّة الإعلاميّة. أي مثلاً أنتم لا تستطيعون ذكر اسم الشهيد سليماني في الفضاء المجازي لأنّهم يحذفونه. فهو بأيديهم طبعاً؛ مفتاح الفضاء المجازي بأيديهم، وهو تحت سيطرتهم. لا يتحمّلون اسم الشهيد سليماني ولا صورته. هكذا هي الحال اليوم. وهكذا كانت في السابق أيضاً. لقد كانت هذه الدكتاتوريّات في أمريكا نفسها أيضاً. كان المرحوم الحاج السيّد أحمد الخميني (رض) ينقل إلينا أن الإمام الخمينيّ أصدر نداءً – أظن أنه كان نداءً للحجّ – وكان مُفصّلاً. قال السيّد أحمد: فكّرت مع نفسي وقلت حسناً فهؤلاء يدّعون وجود حريّة التعبير في أمريكا، فلننشر نداء الإمام في إحدى المطبوعات الأمريكيّة. قال: بعثت رسالة إلى أصدقائنا الذين كانوا هناك وقلت إنّني مستعدٌّ لدفع أيّ مبلغ مقابل هذا الأمر، كما يدفعون المال هناك لنشر بيان معيّن. قال: لم تقبل أيّ نشرية طباعة هذا النداء. يدّعون حريّة التعبير وتبيان الحقائق، ولم يقبلوا نشر بيان الإمام الخميني. ذاك الذي ألّف كتاباً حول وكر التجسس، وكتب عن تفاصيل وكر التجسس، وكان من الأشخاص الحاضرين هناك، يقول إنّ كلّ ناشرٍ اتصلنا به في أمريكا رفض طباعة هذا الكتاب، ولم يقبل ذلك أيّ ناشر، إلى أن ذهبنا إلى كندا في نهاية المطاف وهناك عثرنا على ناشر وافق على ذلك، ثمّ كادوا يجعلونه يندم. توالت الاتصالات والتهديدات وأمثال هذه الأمور. كل هذه الأمور تعني الدكتاتوريّة الإعلاميّة. ثمّ يزعمون: إنّنا نؤيد حريّة التعبير! واليوم كل شيء وكل كلمة تتعارض مع السياسات الغربية أو لا تتوافق معها هي محظورة من النشر والتصوير. ثم يستخدمون هذه الفضاء إلى أقصى حد لتضخيم المشكلات في الجمهورية الإسلامية أو حول الإسلام، وحول المفاهيم الإسلامية ومعاني المعارف الإسلامية. إنهم يستخدمونه إلى أقصى حد لتدمير [هذه الأمور] وتشويهها. حسناً هذه حقيقة مريرة تجعل المهمّة على الجميع.
الشّرح لعناوين جهاد التّبيين في المجالات كافّة عبر المراكز والمنابر المختلفة
قلت إن المسؤولين عن الإعلام هم المسؤولون بالدرجة الأولى، سواء أكانت وسائل الإعلام الوطنية أم وسائل الإعلام الأخرى المختلفة أم الفضاء المجازي، أم الصحافة، فمن واجب الجميع الدخول في هذا المجال، وأي شخص لديه مركز ومنبر للتحدث إلى الرأي العام في المجتمع عليه واجب في هذا الصدد. هناك الآلاف من الملاحم تحدث في البلاد. كم هي الأعمال العظيمة التي تمّ إنجازها في البلاد خلال هذه السنوات، خلال هذه العقود الأربعة! كم هي الأعمال الملحميّة التي تمّ إنجازها! حسناً، يجب بيان هذه [الأمور]، فالعدو يعمل على كتمانها ولا يسمح [بنشرها]. في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعمرانيّة والتعليمية والصحية والعلاجية، وفي الصناعة، في الصناعة! كانت مجموعة من الناشطين الصناعيين هنا في ذلك اليوم(9) يقدّمون تقارير. قدّم عدد قليل منهم تقارير. إلى جانب عرضهم التقارير، كان تُعرض تلك النشاطات هنا في هذه الحسينية. كانت مذهلة، مذهلة حقّاً. لا توجد أيّ أخبار عنها في المجموعة الإعلامية للبلاد؛ هذا شيء غريب جداً. يتمّ إنجاز كل هذا العمل، كل هذا العمل المهم، العمل المفيد، وكلها ملاحم. في مجالات البناء والدين والثقافة والدفاع والأمن… في مجالات الدفاع والأمن!
الآن بما أنّكم على دراية بقضايا القوة الجوية وتطوّرها، وقد أنتجتم وأنجزتم أعمالاً، أيّ منها انعكس بصورة صحيحة في المجتمع؟ حسناً، لدينا تقصير في العمل. في الحقيقة لدينا تقصير في هذه المجالات. والمجالات التي ذكرتها للتو، الاجتماعيّة والأنشطة الاقتصاديّة والعمرانية… كل هذا العمل العمراني في البلاد، أيّ واحد من هذه المواضيع يمكن أن يكون عنواناً لنشاط جهاد التبيين. ولا ينبغي السماح لبعض المشكلات – حسناً، البلد يعاني من مشكلات؛ هناك مشكلات اقتصادية، وهناك مشكلات معيشية – أن تغطّي هذه الملاحم وتخفيها عن أعين الناس. هذه المشكلات في مكانها ويجب بذل الجهود لمعالجتها، ولا شك في ذلك، لكن تلك الأعمال المهمّة والتقدّم المهم والإعمار المهم والأنشطة القيّمة في مختلف المجالات لا ينبغي نسيانها.
الحاجة إلى تحرّك مركّب ضد الهجوم المركّب لجبهة العدوّ
كلمتي الأخيرة هي أن أعداءنا، جبهة العدو – لأن العدو جبهة؛ إنها جبهة ضخمة – تشنّ اليوم هجوماً مركّباً. إنّ هجوم العدو هجوم مركّب، أي له جانب اقتصادي وآخر سياسي وآخر أمني وآخر إعلامي، وهناك جانب دبلوماسي. لقدّ شنّ هجوماً جماعياً من الجهات كافّة. في المقابل نحن أيضاً يجب أن تكون حركتنا حركة مركّبة، وعلينا بذل الجهود من الاتجاهات كافّة. بالطبع علينا الدفاع لكن لا يمكننا دائماً البقاء في حالة دفاعيّة. يجب الالتفات إلى هذا الأمر.
إنني أقول يجب أن ندافع، لأن الدفاع أمر ضروري، لكن لا يمكن البقاء دائماً في حالة دفاعية. العدو يشنّ هجوماً، ونحن أيضاً يجب أن نشن هجوماً في مختلف المجالات بما في ذلك الإعلامية والاقتصاديّة والأمنية. أهل الفكر في هذه المجالات هم معنيّون. [يتوجب] على أهل الفكر والمبادرة، خاصة المسؤولين، بذل الجهود في هذه المجالات التي يستطيعون كافّة. وإن شاء الله، مثلما تقدمت الجمهورية الإسلامية باقتدار خلافاً لإرادة العدو وخلافاً لتوقعات العدو الخائبة، وصارت – بحمد الله – أكثر قوة وثباتاً يوماً بعد يوم على مر أكثر من أربعة عقود، ستستمر هذه الحركة بالتوفيق الإلهي في المستقبل على نحو أفضل من ذي قبل، إن شاء الله. سنتقدّم وسيفشل العدو مرة أخرى لكن يجب أن يعرف كل واحد منا واجبه في كل مجال.
أنتم في القوّة الجويّة لديكم كثير من الأعمال، الأعمال المهمّة التي عليكم إنجازها في المجال الإداري، وفي المجال التعليمي والتنفيذي والمجالات المختلفة، هناك وظائف كثيرة عليكم أداؤها، إن شاء الله. لقد قلت بعضها للقائد الموقر وذكرتها له، وسوف تتابعونها، إن شاء الله. وغدُ البلاد سيكون أفضل بمراتب من يومها، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
(1) في بداية اللقاء، قدم تقريراً العميد حميد واحدي (قائد القوة الجوية في جيش جمهورية إيران الإسلامية).
(2) كلمة الإمام الخميني (قده) في جموع القادة وضباط الاختصاص في القوة الجوية (8/2/1979).
(3) من جملتها كلمته في لقاء أهالي محافظة أذربيجان الشرقية بمناسبة ذكرى انتفاضة «29 بهمن» (18/2/1978) في تبريز (18/2/2019).
(4) هايزر جنرال في سلاح الجو الأمريكي وصل إلى إيران في 4/1/1979 لتنفيذ انقلاب عسكري وقيادة الجيش الملكي من أجل الحؤول دون انتصار الثورة الإسلامية، وفرّ بعد ذلك بشهر مع إخفاقه في خطة ذلك الانقلاب.
(5) دونالد ترامب.
(6) جو بايدن.
(7) الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام.
(8) من جملتها كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مع مدّاحي أهل البيت (ع) (23/1/2022).
(9) لقاء الإمام الخامنئي مع المنتجين والناشطين الصناعيين والاقتصاديين في (30/1/2022).