يعدّ حديث أهل البيت عليهمالسلام من أهم مصادر تفسير آيات الكتاب الكريم، وبيان أبعاد معانيه، وتصاريف أغراضه ومراميه، وقد أثبتت الدلائل والوقائع أنهم عليهمالسلام الأقدر على تفسير الكتاب وإدراك مضامينه وفهم دقائقه، لأن القرآن نزل في بيوتهم، ولأنهم الذين قرن رسول الله صلىاللهعليهوآله بينهم وبين الكتاب، وذكر أنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض، قال أمير المؤمنين عليهالسلام: «والله ما نزلت آية إلاَّ وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إنَّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً طلقاً سؤولاً»[1].
ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيت عليهمالسلام يجد أن هناك خطوطاً أساسية رسموها لفهم القرآن الكريم، يمكن أن نصطلح عليها منهج أهل البيت عليهمالسلام في التفسير، وهي تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف، وأنه الذي بأيدي المسلمين ما بين الدفتين، وتفسير الآيات على ضوء القول بتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية، وتنزيه الأنبياء عن المعاصي وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل.
وقد تركوا عليهمالسلام تراثاً ضخماً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب التفسير، جمعها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة (1107 ه) في كتابه (البرهان في تفسير القرآن)، والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة (1112 ه) في تفسيره (نور الثقلين)، فضلاً عن تفاسير الأثر المتقدمة الواصلة إلينا مثل تفسير فرات الكوفي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم القمي، وجميعها تقتصر على حديثهم الوارد في هذا الشأن. وللإمام الكاظم عليهالسلام نصيب وافر من هذا الكم التفسيري الهائل الوارد في التفاسير الأثرية، أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث، فقد راجعنا معجم تفسير أهل البيت عليهمالسلام[2] الذي أُعدّ بعد تتبّع (177) مصدراً من مصادر الرواية الأوّلية من كتب الفريقين، عدا مصادر التفسير، فوجدنا فيه (688) مورداً منقولاً عن الإمام الكاظم عليهالسلام في تفسير القرآن، وهو يعكس عظمة جهود الإمام عليهالسلام ومزيد اهتمامه بتفسيرالكتاب الكريم، وفيما يلي نماذج من تفسيره عليهالسلام:
– عن سليمان الفراء، عن أبي الحسن عليهالسلام، في قول الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[3]، قال: «الصبر: الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم، فإن الله يقول: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، الصبر: الصوم»[4].
– وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليهالسلام، في قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ)[5]، قال عليهالسلام: «هو التضييع»[6].
– وعن الحسن بن راشد، قال: «سئل أبو الحسن موسى عليهالسلام عن معنى قول الله تعالى: (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ)[7]، فقال: استولى على ما دقّ وجلّ»[8].
– وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليهالسلام، في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)[9]، قال: «ما كان من الإيمان المستقر فمستقر إلى يوم القيامة، وما كان مستودعاً سلبه الله قبل الممات»[10].
– وعن أبي إسحاق المدائني، قال: «كنت عند أبي الحسن عليهالسلام إذ دخل عليه رجل فقال له: جعلت فداك، إن الله يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ)[11]… فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الأربع؟ فقال له أبو الحسن عليهالسلام: أربع، فخذ أربعاً بأربع، إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل، فإن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من الأرض. فقال له الرجل: جعلت فداك، وما حدّ نفيه؟ قال: يُنفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه، فإذا خرج من ذلك المصر إلى غيره، كتب إليهم بمثل ذلك، فيفعل به ذلك سنة، فإنه سيتوب من السنة وهو صاغر…»[12].
* الإمام موسى الكاظم (ع) سيرة وتاريخ – بتصرّف
[1] كنز العمال 13: 128 / 36404.
[2] أعدّه قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، ولم يطبع إلى الآن.
[3] سورة البقرة: 2 / 45.
[4] تفسير العياشي 1: 43 / 41.
[5] سورة الماعون: 107 / 5.
[6] نور الثقلين 5: 678 / 9.
[7] سورة طه: 20 / 5.
[8] التوحيد: 230 / 4.
[9] سورة الأنعام: 6 / 98.
[10] تفسير العياشي 1: 371 / 72.
[11] سورة المائدة: 5 / 33.
[12] تفسير العياشي 1: 317 / 98.