وسرّ هذا التشديد في الحكم على تارك الصلاة، أنّ ارتكاب المحرّمات ينشأ غالباً من غلبة الشهوة على الإنسان، ودفعها إيّاه نحو المعصية، كما هو في الزِّنا، أو من سيطرة الغضب عليه، فتدفعه نحو الذنوب العظام والقذف، والقتل وغيرها من الموبقات، أمّا ترك واجب كالصلاة، فإنّه لا تتدخّل الشهوة ولا الغضب إطلاقاً في دفعه نحو ترك الصلاة، بل الأمر منحصر في استخفاف الإنسان بحكم الله، واستحقاره للأوامر الدينية، فلهذا السبب دخل ترك الصلاة في عنوان الكفر بالله، فقد روى مسعدة بن صدقة قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام وسُئل: ما بال الزاني لا تُسمّيه كافراً، وتارك الصلاة قد تُسمّيه كافراً؟ وما الحجّة في ذلك؟ قال: “لأنّ الزاني – وما أشبهه – إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة، فإنّها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافاً بها، وذلك أنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذّ لإتيانه إيّاها قاصداً إليها، وكلّ من ترك الصلاة قاصداً إليها، فليس يكون قصده لتركها اللذّة، فإذا انتفت اللذّة وقع الاستخفاف، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر”- قال مسعدة بن صدقة: وقيل لأبي عبد الله عليه السلام : ما فرق بين من نظر إلى امرأة، فزنى بها، أو خمر فشربها، وبين من ترك الصلاة حيث لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفّاً كما استخفّ تارك الصلاة؟ وما الحجّة في ذلك؟ وما العلّة التي تفرق بينهما؟ قال عليه السلام: “الحجّة أنّ كلّ ماأدخلت نفسك فيه، لم يدعك إليه داع، ولم يغلبك عليه غالب شهوة – مثل الزنا وشرب الخمر – فأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة، وليس ثم شهوة، فهو الاستخفاف بعينه، وهذا فرق ما بينهما”[1].
قال الإمام الباقر عليه السلام : “لا تتهاون بصلاتك، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكراً، لا يرد عليّ الحوض لا والله”[2]. عن أبي بصير قال: قال أبو الحسن الأوّل الإمام الكاظم عليه السلام: لمّا حضر أبي الوفاة قال لي: “يا بنيّ، إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة”[3].
فالاستخفاف بالدين واضحٌ في ترك الصلاة، وأظهر من غيره، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾[4].
قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 2 ص 386.
[2] الكليني, الكافي، ج 3، ص 269.
[3] م. ن، ج 3، ص 270.
[4] سورة المائدة، الآية 58.