يظهر بوضوح لمن يتتبّع روايات أهل البيت عليهم السلام الصفات الحقيقية للشيعة نذكر منها:
1- شيعتنا من اتقى الله:
في حديث آخر حدّث به إمامنا أبو جعفر الباقر عليه السلام تلميذه النجيب جابر الجعفي، وقد بيّن فيه ماهية المفاهيم التي تُشخِّص صفات الأتباع الحقيقيين لأهل البيت عليهم السلام وجعل هذه المفاهيم أوضح من الشمس في رابعة النهار، فقال عليه السلام: “يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.ـ.”[1].
2- شيعتنا أهل الطاعة:
قال الإمام الباقر عليه السلام لجابر: “أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما نتقرّب إلى الله عزّ وجلّ: إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً، فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع”[2].
3- شيعتنا زين لنا:
وروى أحد أصحاب الصادق عليه السلام قال: سمعت أبا عبد الله يقول: “عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإنّ أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت”[3].
4- شيعتنا أهل الصلاة والقيام لله:
وكتب الإمام الصادق عليه السلام رسالة إلى جماعة من شيعته كتاب جاء فيه: “وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة والوسطى، وقوموا للّه قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم، وعليكم بحبّ المساكين المسلمين، فإنّ من حقّرهم وتكبّر عليهم، فقد زلّ عن دين الله والله له حاقر ماقت، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم واعلموا أنّ من حقّر أحداً من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتّى يمقته الناس أشدّ مقتاً..”..[4]
5- شيعتنا من حفظوا ألستنهم وكفّوا أيديهم:
روي عن الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام لبعض شيعته: “بلّغ موالينا عنّا السلام، وقل لهم إنّي لا أُغني عنكم من الله شيئاً إلاّ بورع، فاحفظوا ألسنتكم وكفّوا أيديكم وعليكم بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين”[5].
6- شيعتنا من أهل العمل:
قال مولانا الإمام الباقر عليه السلام لصاحبه خيثمة: “أبلغ شيعتنا أنه لا يُنال ما عند الله إلا بالعمل، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، وأبلغ شيعتنا أنّهم إذا قاموا بما أمروا أنهم هم الفائزون يوم القيامة”[6].
7- شيعتنا هم الأورع:
عن علي بن أبي زيد، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه عيسى بن عبد الله القمي، فرحّب به وقرّب مجلسه ثم قال: “يا عيسى بن عبد الله (ليس منّا ولا كرامة) من كان في مصر فيه مائة أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه[7].
وخلاصة القول ما جاء في وصية مولانا الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام لشيعته قال: “أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود وحسن الجوار. فبهذا جاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعيّ فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح، فإنّه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله، وتطهير من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب، أكثروا ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام”[8].
من هذه الروايات الشريفة وأمثالها يُعلم أن عنوان التشيّع لأهل البيت عليهم السلام ومحتوى منهجهم هو تقوى الله وطاعته، والورع عن محارمه.
ليس منّا
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: “ليس منّا من يُحقِّر الأمانة – يعني يستهلكها إذا استودعها – وليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله”[9].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم: “ليس منّا من خان بالأمانة”[10].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّه ليس منّا من لم يُحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومخالفة من خالفه”[11].
وعن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: “ليس منّا من لم يُحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل خيراً استزاد الله وحمد الله عليه وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه”[12].
روى الرضا عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: “ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه، أو ماكره”[13].
قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه”[14].
يتضح من روايات أهل بيت العصمة أنّ مجرّد إظهار التشيّع والولاء لأهل البيت عليهم السلام لا يكفي في إثبات صدق هذه الدعوى، وإنّ إظهار المودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام إذا لم يقترن بالعمل بالواجبات واجتناب السيئات، فإنّه لا يوجب السعادة في الآخرة والنجاة من المهالك، إن كل من أطاع أوامر الله عزّ وجلّ فهو من محبّي أهل البيت والموالين لهم وكل من عصى الله عزّ وجلّ فهو عدوّ لأهل البيت عليهم السلام حتى لو أعلن ولاءه لهم.
اللهمّ إنّا نقسم عليك بحقّ محمّد وآل محمّد عليهم السلام أن تمنّ علينا بحقيقة الولاية وأن توفّقنا للسير على نهج أهل بيت نبيّك عليهم السلام بالقول والعمل.
المبصرون، من وصايا الإمام الباقر عليه السلام لتلميذه جابر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 74.
[2] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 232 ـ 248.
[3] محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 12، ص 395.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 8.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 79، ص 232.
[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 93.
[7] المولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 14، ص 180.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 372.
[9] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 172.
[10] م. ن.
[11] م. ن، ج 71، ص 163.
[12] م. ن، ج 67، ص 72.
[13] م. ن، ج 72، ص 284.
[14] م. ن، ج 68، ص 260.