الوظيفة الأولى: معرفته عجل الله تعالى فرجه الشريف
“اللَّهمَّ عرّفني نَفْسَكَ فَانَّكَ إنْ لَمْ تَعرّفْني نَفْسَكَ لَمْ أعرِفْ نَبِيّك، اللَّهُمَّ عَرّفُني رَسَولَكَ فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجّتَك، اللَّهُمَّ عَرّفْني حَجّتَكَ فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني”1.
إن الوظيفة الإعتقادية الأولى للمكلف في غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هي معرفته، والمعرفة تكون من خلال تشخيصه، وإدارك معنى إمامته، ومعنى أنه إمام مفترض الطاعة، ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: إنما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً قلت: جعلت فداك فما معرفة الله ؟ قال: تصديق الله عزوجل وتصديق رسوله صلى الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم عليهم السلام والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عز وجل.
وكذلك يكون من خلال إدراك أنه المنقذ للبشرية وراد الإنسانية إلى جادة الدين المستقيمة، و معيد الحق إلى أهله، وأنه المظهِرُ لأحكام الله وشرائعه، كما ورد في زيارة آل ياسين:”السَّلامُ عَلَيكَ يَا بَابَ اللَّهِ وَديّانَ دينهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ وَنَاصِرَ حَقِّهِ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَدَليلَ إرادَتِهِ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا تَالِيَ كِتَابِ اللَّهِ وتَرجُمانَهُ”
الوظيفة الثانية: الثبات على القول بإمامته
في الرواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه يقول: “لما أنزل الله عز وجل على نبيه ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾ قلت: يا رسول الله عرفنا الله و رسوله فمن أولوا الأمرالذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ قال: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرءه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان. قال: فقال جابر: يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به: يستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر الله، ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله “2.
والمستفاد من الرواية الشريفة أن المؤمنين في عصر الغيبة، في ابتلاء وامتحان شديد، وسيتخلى عن القول بإمامة الحجة عليه السلام الكثير من الناس، وسيثبت آخرون على الاعتقاد به، وما سبب هذا إلا كثرة الامتحانات، من الدعوات الباطلة والمشككين وكثرة الابتلاءات مع قلة الصبر على طول الغيبة.
وقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس لا والله حتى تميزوا، لا والله حتى تمحصوا، لا والله حتى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد”3.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: “إنَّ لصاحبِ هذا الأمرِ غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد4 ثم قال هكذا بيده ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه”5.
فهذه الفترة الطويلة من الغيبة الكبرى إنما هي امتحان وتمحيص من الله تعالى للمؤمنين ليتبين منهم الخلص ويصفَى القليلُ منهم ففي الرواية عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، قال: “إذا فقد الخامس من ولدِ السابع من الأئمة فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكُم عنها أحد، يا بني إنه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنةٌ من الله امتحن الله بها خلقه”6.
وقد عبرت بعض الروايات الشريفة عن هذا الأمر بالغربلة، فإن الناس ستغربل كما الحبوب ليبقى الصالح منها، ويرمى الفاسد ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: “والله لتميَّزن و الله لتمحَّصن والله لتُغربلُن كما يُغربَل الزُؤان من القَمح”7.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا مصداقاً للحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال: “يا علي أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض”8.
الوظيفة الثالثة: البراءة من أعدائه
فلا يكفي أن أوالي من فرض الله طاعته من دون البراءة من عدوه، وهذا الأمران متساويان في الأهمية ولا بد من اكتمالهما معا لتحقيق الإعتقاد الصحيح، وهذا ما نلمسه في زيارة آل ياسين: “يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم. فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا ولي لك برئ من عدوك، فالحق ما رضيتموه، والباطل ما أسخطتموه، والمعروف ما أمرتم به. والمنكر ما نهيتم عنه، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله، وبأمير المؤمنين، وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي. أولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم،فمودتي خالصة لكم آمين آمين”9.
* 18 وظيفة في زمن الغيبة, سلسلة بين يدي القائم (عج), نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة – ابن بابويه- علي- فقه الرضا-مؤسسة أهل البيت – ج 1 ص 337
2- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 36 ص 250
3- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 111
4- ” القتاد ” شجرٌ عظيمٌ له شوكٌ مثل الإبر و ” خرط القتاد ” يضرب مثلاً للأمور الصعبة .
5- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 111
6- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 113
7- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 114
8- الحر العاملي – محمد بن الحسن – وسائل الشيعة – مؤسسة أهل البيت – الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 27 ص 92
9- راجع مفاتيح الجنان – زيارة آل يس