Search
Close this search box.

الاستعدادُ لاستقبالِ شهرِ رمضانَ المباركِ

الاستعدادُ لاستقبالِ شهرِ رمضانَ المباركِ

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. صدق الله العلي العظيم.

لم تبق إلا أيّام معدودات ويبلّغنا الله شهر رمضان؛ هذا الشَّهر الذي أشار الله إلى فضله وعظيم شرفه، عندما أنزل فيه القرآن الكريم ليكون هدى للنَّاس وبيّنات من الهدى والفرقان، وأودع فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ينتظره بفارغ الصَّبر، ويدعو أصحابه إلى استقباله بالفرح والسّرور.

فمع قدوم شهر رجب، كان يردّد على مسامعهم: “اللّهمّ بلّغنا شهر شعبان”، وعندما يبدأ شهر شعبان، كان يكرِّر هذا الدّعاء: “اللّهمّ بلّغنا شهر رمضان”.

وعندما يبدأ شهر شعبان بالأفول، كان يقف خطيباً في أصحابه ليبيّن لهم أهميّة ما سيقدم عليهم، فكان يقول: “أيُّها الناس، جاءكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرّحمة، ويحطّ الخطايا، ويستجيب الدّعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه…”.

علامة زمنيّة فارقة

شهر رمضان، أيّها الأحبّة، ليس شهراً عاديّاً في حسابات السّنة، هو علامة فارقه فيه: أيّامه أفضل الأيّام، وساعاته أفضل السّاعات، ولياليه أفضل اللّيالي، وأيّ بركات هي أعلى حين تتحوَّل الأنفاس فيه إلى تسابيح، والنَّوم إلى عبادة، ويكون فيه الدّعاء مستجاباً، والعمل فيه مقبولاً، والأجر فيه مضاعفاً، فيكفي أن تفطر فيه صائماً حتّى تحصل على مغفرة لما مضى من ذنوبك، وأن تخفِّف عن عمّالك وموظّفيك ومَن تحت إدارتك، حتى يخفِّف الله عليك حسابه، وأن تكفَّ فيه غضبك حتّى يكفّ الله عنك غضبه لو توفّرت أسبابه، وإن أنت أكرمت فيه يتيماً أو فقيراً فسيكرمك الله، ولو قرأت فيه آيةً، فكأنما ختمت القرآن كلّه في بقيّة الشّهور، أمّا لو تواصلت فيه مع أرحامك، فسيظلّك الله برحمته يوم تحتاج إليها.

لذلك، ليس هناك من مبرِّر لأحدٍ أن لا يحظى برحمة الله، فالشّقيّ الشّقيّ هو من حرم غفران الله في هذا الشّهر. لكنَّ هذا العطاء وهذا التَّكريم لن يكون بالمجّان، هو للّذين تهيّأوا لهذا الشَّهر، وأعدّوا له عدَّته، ووفَّروا في أنفسهم الشّروط التي تجعلهم مؤهَّلين للاستفادة من بركاته.

من شروط الاستفادة

وهنا، ننقل نصّين وردا في هذا اليوم يشيران إلى هذه الشّروط:

النصُّ الأوَّل، وهو ما ورد عن أحد أصحاب الإمام الرّضا ـ عليه السلام ـ حين دخل عليه في آخر جمعة من شهر شعبان، فقال له الإمام ـ عليه السلام : “يا أبا صلت، إنَّ شعبان قد مضى أكثره، وهذه آخر جمعة فيه، فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدّعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عزّ وجلّ. ولا تدعنَّ أمانة في عنقك إلّا أدَّيتها، وفي قلبك حقداً على مؤمن إلّا نزعته، ولا ذنباً أنت مرتكبه إلّا أقلعت عنه… وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشَّهر: أللّـهُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا فيما مَضى مِنْ شَعْبانَ، فَاغْفِرْ لَنا فيما بَقِيَ مِنْهُ، فإنَّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشَّهر رقاباً من النّار لحرمة شهر رمضان”.

لقد أوضح الإمام ـ عليه السلام ـ أنَّ الباب لدخول شهر رمضان والحصول على ضيافة الله فيه، تحصل بتعزيز علاقة الإنسان بربّه، وهذا يحصل بقراءة القرآن والدّعاء والذّكر والاستغفار، وأن يطهِّر قلبه من كلّ حقدٍ وعداوةٍ، وأن لا يدع أمانةً للنّاس إلا ويؤدّيها ويعوّضهم عن أيّ تقصير حصل تجاههم.

أمّا النّصّ الثّاني، فهو ما أشار إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان ، فهو بعدما بيَّن أهميّة هذا الشَّهر، أشار إلى المسؤوليّات فيه ، فقال: “فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلُوب طاهرة – فهذا يحتاج إلى إرادة وإعانة من الله، لأنَّ الإنسان في شهر رمضان يحبّ الخلود إلى الرّاحة – أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النَّظر إليه أبصاركم، وعمَّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنَّنوا على أيتام النّاس يُتحنَّن على أيتامكم، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل السَّاعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرّحمة إلى عباده؛ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه”.

فقد دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من خلال خطبته هذه، أن يعدّ كلّ إنسان برنامجه لهذا الشَّهر من الآن، وهذا البرنامج أراده أن لا يقف عند حدود الصّيام والامتناع عن الطّعام والشَّراب وبقيّة المفطّرات كما يعتقد البعض، بل يتعدّى ذلك إلى الامتناع عن الحرام، وأن يكون شهر القيام وقراءة القرآن، وبذل الخير للفقراء والمساكين وذوي الحاجة، وإكرام الأيتام والتحنّن عليهم، وتوقير الكبار، والرّحمة بالصّغار، وإصلاح النّفس وتطهيرها من كلّ ما علق فيها من أدران.

لا تهاون في المسؤوليّات

أيّها الأحبّة: إنّنا مدعوّون إلى أن ندخل شهر رمضان دخول المستعدّين له، العارفين بفضله، السّاعين لنيل ما أعدّه الله لعباده من رحمة ولطف وبركات وعطاءات.

أيّها الأحبَّة: رغم أنّ هذا الشّهر يعود إلينا في هذه السّنة ونحن لا نزال في ظلّ الواقع الصّعب الّذي نعانيه على كلّ الصّعد، ولا سيَّما على صعيد جائحة كورونا، ورغم كلّ ذلك، لن نتهاون في أداء مسؤوليّاتنا فيه، بل يزيدنا ذلك إصراراً على المزيد من العمل فيه والاستفادة منه.

المصدر : موقع بينات / بتصرف

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل