Search
Close this search box.

شهر رمضان وعادات الإنسان

شهر رمضان وعادات الإنسان

يقول علماء الأخلاق: إنّ قوى الإنسان الباطنية أربع:
1. الشهوة، كشهوة الطعام والشراب والجنس وغيرها.
2. الغضب الذي قد يحرّك اليد والرجل بالضرب، والعين بالنظرة الماقتة وغير ذلك.
3. الوهم الذي قد يخطِّط الإنسان من خلاله لتمرير ما يلبِّي شهوته أو غضبه، كالتخطيط للسرقة والقتل ونحوهما، أو لهداية إنسان إلى طريق الصلاح، ونحو ذلك.
4. العقل، وهو الذي يدعو إلى التفكير بعواقب الأمور ونتائجها، داعياً الإنسان أن لا يعمل إلاّ ما يؤدّي به إلى الخير والصلاح.

فالعقل دائماً هو قوة خير، أما الشهوة والغضب والوهم فهي في أصل وجودها كانت لخير الإنسان، فبالشهوة تستمرّ المسيرة الإنسانية بالتناسل، وبالغضب يدافع الإنسان عن نفسه وعرضه ووطنه، وبالوهم يخطّط للنجاح في حياته، إلا أنّ الإنسان قد يُحرِف فاعلية هذه القوى الثلاث، لتسير في مسارات باطلة.

وأراد الله تعالى أن ينظِّم هذه القوى الثلاث، وذلك بأن يكون العقل هو الناظر في أمورها، والحاكم والسلطان عليها.

وشهر رمضان هو مدرسة تدريبية لتقوية حكومة العقل على سائر القوى.

ومن مظاهر هذا التدريب ما يرتبط بتنظيم ما اعتاد عليه الإنسان من خلال سيطرة العقل على اندفاع بقية القوى الباطنية، وذلك من خلال لاءات أطلقها، وأمور أكّدها، ليؤدّي ذلك إلى تنظيمٍ لحركة الإنسان مع الله تعالى أوّلاً، ومع الناس ثانياً، لا سيّما فيما يتعلّق بعادات الإنسان التي قاربها شهر رمضان بالدعوة إلى إيقاف مؤقّت لبعضها، وإلى إيجادٍ وتثبيتٍ لبعضها الآخر.

أ- الإيقاف المؤقت لعادات شهويّة
اعتاد الإنسان أن يأكل في أوقات النهار حينما يجوع، وأن يشرب فيها حينما يعطش، واعتاد المدخِّنون أن يتناولوا السجائر حينما يريدون، ولم يكن النهار حاجزاً في عادة كثير من الناس أمام تلبية رغباتهم الجنسية.

أمام هذه الحرّية المتاحة جاءت مدرسة شهر رمضان لتمنع الصائم عن الأكل والشرب والتدخين والعلاقة الخاصة في أيام شهر رمضان من فجرها إلى غروبها، لا ليجعل الإنسان راهباً في صومعة الوحدة، بل ليعلّمه كيف تقف إرادته قويَّة أمام شهواته، لتقول لها: لا، حينما يمنعه الله تعالى، ولتسمح لها بذلك في الوقت الذي تحدّده هذه الإرادة الموافقة لإرادة الله تعالى.

ب- التأكيد على عادات عبادية
وضع الإسلام برامج عبادية أحبّها الله تعالى للإنسان في جميع أيّامه، إلا أنّ خصوصيّةً فيها برزت في شهر رمضان المبارك، ولعلّ ذلك ليكون – إضافة إلى أهميتها الخاصة في شهر الله- مدخلاً لتثبيتها في غيره من الشهور، ومن بنود هذه البرامج:

1- قراءة القرآن الكريم
أكّد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله على قراءة القرآن الكريم في شهر رمضان ببيان استثنائي قال فيه: «من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور»[1].

إنّ هذا التأكيد يجعل المؤمن يعتاد يومياً في شهر رمضان المبارك أن يقرأ كتاب الله، ساعياً على الأقل أن ينجز تلاوة جزءٍ كاملٍ كلّ يوم.

وهذا الأمر دافع ليعتاد على قراءة القرآن يومياً في بقية الشهور، ولو بأن يقرأ الحدّ الأدنى الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وآله للمؤمن في برنامجه اليومي وهو خمسون آية، فعن النبي صلى الله عليه وآله : «من قرأ خمسين آية في يومه أو ليلته لم يكتب من الغافلين»[2].

2- الاستيقاظ وقت السحر
ورد تشجيع نبويّ أن يتناول المؤمن في شهر رمضان الطعام والشراب في الثلث الأخير من الليل، فعنه صلى الله عليه وآله : «تسحَّروا ولو بجرع الماء، ألا صلوات الله على المتسحّرين»[3]. إلاّ أنّ ما يريده الله تعالى في وقت السحر مقدَّماً على الطعام والشراب هو الغذاء الروحي وتذوّق لذة العبادة من مناجاة وصلاة وقراءة لكلام الله تعالى.

3- الصلاة في أول الوقت
أكّد النبي صلى الله عليه وآله على الدعاء في شهر رمضان في أوقات الصلوات بقوله صلى الله عليه وآله : «وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم فإنّها أفضل الساعات»[4] وفي هذا دعوة واضحة إلى الاهتمام بالصلاة في أوّل وقتها، وهذا ما ورد في أحاديث عديدة، فعنه صلى الله عليه وآله : «ما من عبدٍ اهتمّ بمواقيت الصلاة، ومواضع الشمس إلا ضمنت له الرّوح عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار»[5].

إنّ مراقبة الفجر لانتهاء الإمساك وصلاة الصبح، ومراقبة غروب الشمس لانتهاء الصيام وصلاة المغرب مدعاة لمراقبة أوقات الصلوات في جميع أيام السنة لأدائها في أوائل أوقاتها.

4- صلوات النوافل
شجّع النبي صلى الله عليه وآله على أداء الصلوات المستحبة في شهر رمضان بقوله صلى الله عليه وآله : «من تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فرضاً في غيره من الشهور»[6].
وإذا لاحظنا الاستيقاظ أوقات السحر في شهر رمضان، فإنّ ذلك يكون مناسبة لأداء صلاة الليل التي ورد فيها عن الإمام الصادق عليه السلام : «صلاة الليل تحسّن الوجه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدين، وتذهب بالهم، وتجلو البصر، عليكم بصلاة الليل؛ فإنّها سُنّة نبيّكم، ومطردة الداء عن أجسادكم»[7].

وكذا ورد عنه عليه السلام : «إنّ البيوت التي يصلّى فيها صلاة الليل تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض»[8].

إنّ حديث النبي صلى الله عليه وآله المتقدّم حول الصلوات المستحبة يدفع الإنسان إلى الاهتمام بنافلة الفجر ونافلتي الظهرين ونافلة المغرب وصلاة الغفيلة وصلاة الوتيرة، ليستمر بها أو ببعضها بعد الشهر الفضيل؛ لينال ما ورد في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لمّا أُسريَ به: «يا ربّ، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد، ما يتقرّب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وإنّه ليتقرب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطيته»[9].

5- ارتياد المساجد
إنّ وعي أهمية نسبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله شهر رمضان إلى الله تعالى فسماّه شهر الله – مع أنّ كلّ الأزمنة هي لله سبحانه – يدفعه للاهتمام بالمساجد التي نسبها الله تعالى إليه من بين الأمكنة التي هي كلّها لله عز وجل، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله : «إنَّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته، ثم زارني في بيتي»[10]، وإنّ استماع حادثة شهادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي أصرّ في شهر الله تعالى على الذهاب إلى المسجد لصلاة الفجر جماعة عالماً بضربة السيف فيه، يدفع المؤمنين للسير على خطى الإمام عليه السلام في المسير إلى مساجد الله تعالى لنيل المقامات الرفيعة فيها.

وفي المسجد يذوق الإنسان لذّة الحضور الإلهي الخاص التي تخوّله ليكون من الخواص الذين ورد فيهم: «سبعة يظلّهم الله عزّ وجل في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجل قلبه متعلق بالمسجد…»[11].

ج- التأكيد على عادات اجتماعية
في شهر رمضان يعتاد الناس على عادات من الجميل والمحبّب أن تستمر بعده، وهي:

1- الجلوس مع العيال
إنّ جلوس العائلة على مائدة الإفطار من المشاهد الجميلة البهيّة التي يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله الذي ورد أنّه قال «جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا»[12]. والمؤمن الواعي هو الذي يستثمر هذه الجلسات ليحقق أموراً عديدة منها:
• التغذية العاطفية المهمّة للأسرة والتي تتحقق بحضور الأب والأم مع الأولاد.
• الاهتمام بأمور العائلة وحاجاتها وتطلّعاتها المستقبلية وتوجيهها نحو الأفضل، لا سيّما فيما يتعلّق بإصلاح النفس وتزكيتها.

2- التواصل مع الأرحام
إنَّ تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على صلة الرحم في شهر رمضان بقوله «من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه»[13]، يدفع الإنسان إلى إيجاد آليات لهذا التواصل من قبيل:
• دعوة أرحامه وأقربائه إلى مائدة الإفطار.
• زيارتهم.
• التواصل معهم على الهاتف أو عبر البريد الالكتروني ونحو ذلك.
• إرسال مساعدات للفقراء منهم.
• بعث الهدايا لهم.
ومن الجميل أن يستثمر كلّ ذلك بما يساهم في هدايتهم إلى الله تعالى.

3- إطعام الطعام
من المستحبات في الإسلام إطعام الطعام الذي له خصوصية في شهر رمضان عبَّر عنها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بقوله- الوارد عنه: «من فطّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً»[14]، وكذا قوله صلى الله عليه وآله : «فطرُك لأخيك المسلم وإدخالُك السرور عليه أعظم أجراً من صيامك»[15].

وقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يلبِّي دعوة الإفطار، ويدعو لمن يدعوه لذلك، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل عند القوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الأخيار»[16].

وفي إطعام الطعام ينبغي الالتفات إلى الأمور الآتية:

1- استحباب الإطعام بشكل عامّ
إن إطعام الطعام مستحب للمؤمنين – بشكل عامّ – فليس استحبابه منحصراً بإطعام الفقراء والمساكين، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ الله عز وجل يحبّ الإطعام في الله، ويحبّ الذي يُطعم الطعام في الله، والبركةُ في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير»[17]. وهذه الدعوة تقع من ضمن سياق التنوّع التشريعي الذي بيّن استحباب صدقة السر، كما صدقة العلن، وصلاة الجماعة في المسجد، كما صلاة النافلة في البيت، وهكذا في إطعام الفقراء والوليمة للمؤمنين بشكل عامّ عند الرزق بالولد، والعودة من الحج، والانتقال إلى المنزل، الخ.

2- لا بأس بالطعام الطيّب
ورد أنّ سديراً تناول الطعام مع الإمام جعفر الصادق عليه السلام فقال:«ما أكلت مثله قط، ولا أظنّ أنّي آكل مثله أبداً، ثم إنّ عيني تغرغرت، فبكيت»، فقال عليه السلام : «يا سدير، ما يبكيك؟»، قلت: يا ابن رسول الله، ذكرت آية في كتاب الله، قال: «وما هي»؟ قلت: «قول الله في كتابه ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾[18]، فخفت أن يكون هذا الطعام الذي يسألنا الله عنه، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: يا سدير، لا تُسال عن طعام طيّب، ولا ثوب ليّن، ولا رائحة طيبة، بل لنا خلق، وله خلقنا، ولنعمل فيه بالطاعة، قلت له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله، فما النعيم؟ قال عليه السلام : حبُّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وعترته عليهم السلام ، يسألهم الله تعالى يوم القيامة كيف كان شكركم لي حين أنعمتُ عليكم بحبِّ علي وعترته»[19].

3- الالتفات إلى إطعام الفقراء
ورد أنَّ كليم الله موسى عليه السلام قال: «إلهي فما جزاء من أطعم مسكيناً ابتغاء وجهك؟ قال: يا موسى، آمر منادياً ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: فلان بن فلان من عتقاء الله من النار»[20].

4- عدم الاقتصار على ولائم الأغنياء
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يكره إجابة من يشهد وليمة الأغنياء دون الفقراء. وهذا يتماشى على ما أراد الإسلام أن يسير به الناس في المجتمع من إزالة الفوارق الطبقية؛ لأنَّ الطبقية قد تؤدي إلى أمورٍ منها:
• شعور الفقراء والمستضعفين بالضغينة على أصحاب النعم، أو على الأقل الشعور بضعف الذات الذي قد يؤدّي إلى الكآبة أو الإحباط.
• محاولة بعض الفقراء أن يقاربوا في نمط حياتهم من يعرفون من الأغنياء، وهذا يؤدي إلى الإرهاق، وبدوره قد يؤدّي إلى خروج الإنسان عن مسيرته في الاستقامة.

5- المحافظة على النعمة وعدم رميها دون استفادة
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله : «ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم»[21].

* كتاب شهر الله، سماحة الشيخ أكرم بركات.

[1] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص357.
[2] البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، (لا،ط)، قم، (لا،ن)، 1409هـ، ج15، ص20.
[3] المصدر السابق، ج94، ص344.
[4] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص357.
[5] المصدر السابق، ج80، ص9.
[6] المصدر السابق، ج93، ص357.
[7] المصدر السابق، ج59، ص268.
[8] الحلي، المعتبر، تحقيق عدة من الأفاضل وإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، (لا،ط)، قم، مؤسسة سيد الشهداء، ج2، ص17.
[9] الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص2540.
[10] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج80، ص373.
[11] المصدر السابق، ج26، ص261.
[12] الريشهري محمّد، ميزان الحكمة، ج2، ص1186.
[13] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص357.
[14] المصدر السابق ، ج94، ص78.
[15] المصدر السابق، ص126.
[16] المصدر السابق، ج16، ص293.
[17] المصدر السابق، ج71، ص368.
[18] سورة التكاثر، الآية 8.
[19] الميرزا النوري، حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، بيروت، 1988م، ج7، ص248-249.
[20] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج13، ص327.
[21] المصدر السابق، ج6، ص221.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل