Search
Close this search box.

الجوانب المعنويّة والعلميّة والسياسيّة في شخصيّة العلّامة الشهيد السيد محمّد باقر الصّدر

الجوانب المعنويّة والعلميّة والسياسيّة في شخصيّة العلّامة الشهيد السيد محمّد باقر الصّدر

كان الشهيد السيد محمّد باقر الصّدر نابغة فكريّة في الزّمن المعاصر. لم يكن قد مرّ من عمر الشهيد ٤٦ عاماً حين لم يتحمّل نظام العراق البعثي وجود هذه الشخصية العلميّة والثوريّة وبادر إلى قتله وأخته في ٨ نيسان عام ١٩٨٠. في أجواء الذكرى السنوية لشهادة العلّامة الشهيد، ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً لحجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن الأراكي، أحد تلامذة الشهيد الصّدر، يسلّط فيه الكاتب الضّوء على الصفات المعنويّة، العلميّة والسياسيّة للشهيد الصّدر.

الكاتب: حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محسن الأراكي

لقد كان الأستاذ الجليل، شهيد الإسلام والمسلمين آية الله العظمى الحاج السيد محمّد باقر الصّدر (قدّس الله نفسه الزكيّة) فريداً أو قليل النّظير في كافّة جوانب شخصيّته الواسعة. فالجانب العلمي من شخصيّة سماحته يتشعّب إلى شعب عديدة ويشمل مجالاً واسعاً؛ والجانب الأخلاقي، والجانب الفكري والسلوك السياسي، والسلوك العائلي، ومعاشرته للناس، وطلاب الحوزة، والتلامذة وسائر الشخصيات والعلماء المعاصرين له، والسلوك السياسي مع طواغيت العصر، كلّ هذه من الجوانب الشخصيّة لدى سماحته والتي تستحقّ كلّ واحدة منها البحث والتحقيق وينبغي أن يتمّ الحديث حولها بشكل مطوّل وكتابة مقالات عديدة. وما تمّ التصريح به وكتابته لحدّ الآن قليلٌ جدّاً نظراً لشأنيّة شخصيّة هذا الرّجل العظيم والجليل.
لقد كان سماحته أيضاً فريداً وقليل النظير في الجانب الأخلاقيّ؛ فقد كان متواضعاً في كافّة الجوانب السلوكيّة ولم يكن يعتبر نفسه أرفع من الآخرين على الإطلاق. لقد كان سلوكه بمنتهى الخضوع وهناك ذكريات عديدة حول تواضعه في التعامل مع الآخرين. كان رجلاً بارعاً وفريداً في العلم والعمل وملهماً للدروس بما للكلمة من معنى.

تجلّيات السلوك المعنوي للشهيد الصّدر
لقد كنت أتشرّف بالصلاة جماعة خلف الشهيد الصدر لفترة من الزّمن؛ لقد كان سماحته يجلس في مكان الصلاة مدّة خمس دقائق قبل أن يهمّ بالصلاة ويتأمّل، رغم أنّ كلّ الظروف كانت تكون مهيّئة للصلاة؛ فوقت الصلاة قد حان وهناك عددٌ كبير من المأمومين. تسائلت عن فلسفة أو حكمة هذا التأمّل. وعندما سألت سماحته، أجابني: ”الصلاة وقوفٌ أمام الله عزّوجل وحديثٌ إليه؛ علينا أن نعدّ أنفسنا لهذا العمل، فننقّي أفكارنا ونخلص نوايانا، ونتجهّز لهذا العمل لأنّه عملٌ عظيم وتحدّث مع الربّ العظيم وأعظم العظماء“. كما ينقل الشيخ محمّد رضا النعماني الذي كان أحد الذين رافقوه حتّى الأيّام الأخيرة بأنّه سأل الشهيد الصّدر مرّة هذا السؤال فأجابه: ”لقد عاهدت نفسي منذ الطفولة أن لا أصلّي دون حضور قلب، لذلك أجبر أحياناً على أن أصبر لدقائق كي أمحو الأفكار التي تخالج ذهني وأشعر بحالة الصفاء والانقطاع ثمّ أقوم للصلاة“.
لقد كانت لدى الشهيد الصّدر (قده) حالة معنويّة عجيبة. رآى أحد أقاربه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في عالم الرؤيا يخاطبه ”قل للسيد محمّد باقر لماذا لا تأتي إلى درسنا منذ مدّة؟“ فنقل المنام للسيّد الصدر، فأجابه سماحته ”أنا كنت أذهب كلّ يوم قبل الدرس إلى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأنّ الإمام علي (عليه السلام) باب علم النّبي (ص)، كنت أجلس في الحرم وأطلب العون منه وأفكّر؛ لكن مرّت مدّة لم أوفّق لزيارة الحرم بسبب أعمال البناء والترميم في المنزل؛ وهناك احتمالٌ كبير أن تكون هذه خلفيّة رؤياكم“. لقد اكتسب سماحته هذه المكانة لدى الأئمة الأطهار وأمير المؤمنين (عليه السلام) بفضل إخلاصه.

قوّة الشهيد الصدر الذهنية المميّزة
من ميّزات الشهيد الصدر المدهشة كانت أنّه رغم عدم تدوينه لدرس الأستاذ أو درسه، كان لديه حضور ذهن غريب وإحاطة بكلّ المطالب. ينقل أستاذنا الكبير آية الله السيد كاظم الحائري أنّ الشهيد الصدر كان في مباحث القطع، يشكل على آية الله الخوئي (قده) بخصوص الدرس السابق ويردّ سماحته عليه، ثمّ يشكل ويسمع جواباً؛ وكان يستمرّ هذا الأمر سبع مرّات ثمّ يحين موعد الدرس بعد السؤال أو الإشكال السابع فيبدأ آية الله الخوئي درسه؛ واللافت أنّ الشهيد الصدر كان يحتفظ بهذه الأسئلة والأجوبة السبع في ذهنه دون أن يدوّن أي ملاحظة.
طبعاً كانت ذاكرته على هذا النّحو فيما يخصّ كلّ المواضيع التي يسمعها ويتحدّث بها؛ وما كان ينقله سماحته عن الأساتذة كان غالبه نابعاً من ذاكرته وكان يحتفظ في ذهنه بدرسه ودرس أساتذته بشكل مدهش. هذه القدرة على الحفظ أو التسجيل الذهني، إضافة إلى مواهبة الذاتيّة كانت نابعة من النورانيّة التي خصّ بها الله عزّوجل هذا الرّجل.

ابتكارات الشهيد الصدر العلميّة
لقد خلّف الشهيد الصدر ابتكارات وإبداعات علميّة فريدة وقليلة النّظير في كلّ مجال علمي شارك فيه.
لقد كانت لدى سماحته ابتكارات عديدة في مختلف العلوم كالفقه، الأصول، فقه النظام، النظام الاقتصادي والمباحث الاجتماعية والفلسفيّة. كتاب ”فلسفتنا“ الذي دوّنه الشهيد الصدر أحدث ثورة في عالم الفلسفة خاصّة في العالم العربي. كما أنّ الأمر كان على هذا النّحو في سائر المجالات أيضا؛ فكتاب سماحته ”الأسس المنطقيّة للاستقراء“ أحدث ثورة أساسيّة في منطق الفكر البشري ولم تُعرف قيمته للأسف ولم يروّج له كما ينبغي. طبعاً، عظمة هذا المؤلّف هي واحدة من أسباب عدم شهرته؛ لأنّه تخصّصي للغاية ويشتمل على مجموعة من المباحث الفلسفيّة، الرياضيّة والاحتمالات الحسابيّة الجديدة. فالشهيد الصدر يغيّر في هذا الكتاب الأصول المعرفيّة ويؤسّس لركيزة جديدة خاصّة بالمعرفة التجريبيّة.
كما أنّ إحدى إبداعات سماحته المهمّة في الفقه كانت إبداع أسلوب استنباط فقهي للنظام. فقد بادر سماحته للمرّة الأولى في الفقه إلى استنباط نظام من المصادر الفقهيّة وطرح نظريّة النظام الاقتصادي؛ النظام المستخرج من المصادر والنصوص بمختلف الأساليب الاجتهاديّة والاستنباطيّة. وقد تمّ إصدار نظام فقهي اقتصاديّ منسجم من هذا النظام الصادر عن أحكام فقهيّة في مختلف الأبواب، ويمكن لنظام الحكم بالاستناد إليه إيجاد هيكليات منظّمة ومبرمجة قادرة على إدارة الأسواق، وإدارة الإنتاج، وإدارة التوزيع وإدارة الاستهلاك.
لقد كان العثور على نظام اقتصادي منسجم يستطيع إدارة المجتمع إبداع الشهيد الصدر ولم يبلغ أيّ فقيه -شيعي أو سنّي- هذا المستوى ولم يبادر أيّ من الفقهاء إلى استنباط فقه النّظام.

التأسيس للعمل التنظيمي
شهید صدر به کار تشکیلاتی معتقد بود؛ نخستین کسی که در جهان تشیع کار تشکیلاتی را بنیان نهاده، مرحوم صدر بوده است؛ در عراق این کار تشکیلاتی بسیار بنیادین را پایه‌ریزی کرد که البته بعدها معتقد شد هرچند باید زیر نظر مرجعیت کار کند، اما نباید به حوزه‌ها وارد شود.
لقد كان الشهيد الصّدر معتقداً بالعمل التنظيمي؛ وأوّل من أسّس في عالم التشيّع للعمل التنظيمي، كان المرحوم الشهيد الصّدر؛ وفي العراق أيضاً أسس لهذا العمل التنظيمي بشكل جذري.
وفي خطّة العمل الأوليّة التي خطّط لها الشهيد الصّدر كان ينبغي أن يكون هذا العمل التنظيمي في ظلّ إشراف الوليّ الفقيه؛ ولذلك طرح المرحوم الشهيد الصدر قبل العقد السابع من القرن الماضي موضوع ولاية الفقيه في المجال السياسي. كما أنّ العمل التنظيمي للشهيد الصّدر انطلق قبل العقد السابع وسماحته دخل في مجال السياسة بشجاعة وإخلاص بحيث أدّت هذه الجهود في نهاية الأمر إلى استشهاد هذا الرّجل العظيم.
لقد كانت شهادة المرحوم الشهيد الصّدر شهادة اختياريّة في واقع الأمر؛ فسماحته هو من اختار هذا الطريق وكان يعلم بأنّه سوف يُستشهد واختار نهج الجهاد والمقاومة رغم هذا العلم ثمّ استشهد بذلك الأسلوب المفجع والمأساوي.

اعتقاد الشّهيد الصّدر العملي بوصول الإمام الخميني (قده) إلى مرتبة الولاية الأمريّة
كان آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصّدر عراقيّاً، لكن عندما قامت ثورة الإمام الخميني وجّه رسالة إلى تلامذته قال لهم فيها: ”ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام…“ وأعلن أن: ”لا تتحدّثوا عن مرجعيّتي بعد الآن، فالراية باتت اليوم في يد الإمام الخميني وهو قائد العالم الإسلامي وعلينا جميعاً أن ندعم هذه الرّاية“. هذه هي روحيّة من يفنى في الإسلام والأهداف الإسلاميّة ويفكّر بأسلوب عالمي، كما كان الأئمّة الأطهار يفكّرون.
كما أنّني أذكر أنّ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد باقر مهري -أحد تلامذة الشهيد الصّدر (قده)- جاء إلى إيران ممثّلاً سماحته بعد مدّة من انتصار الثورة الإسلامية ونقل عنه رسالة إلى الإمام الخميني. تابعت الأمر وأخذت موعداً من الإمام الخميني (قده) وتشرّفنا سويّة بلقاء سماحة الإمام (قده). كان الشيخ مرتضى شريعتي حاضراً في هذه الجلسة أيضاً.
كانت رسالة الشهيد الصّدر أن ”توفّرت ظروف جعلتني أشعر بتكليف مواجهة نظام صدّام والتصدّي له، وقد تؤدّي هذه المواجهة إلى استشهادي؛ ولكون سماحتكم (الإمام الخميني) في مرتبة الولاية الأمريّة، أرغب في أن يتمّ هذا الأمر بإذن منكم، فإذا كنتم تأذنون لي سوف أواصل هذا المسار، وإلّا فأنا قادرٌ على الخروج من العراق نظراً للظروف التي تحكمني اليوم“. أجاب الإمام الخميني: ”قولوا لسماحته أن يصمد ويثبت وسيكون الله معه“. وصلت هذه الرّسالة إلى الشهيد الصّدر وعمل سماحته بها.
كان المرحوم الشهيد الصّدر في مستوى المرجعيّة الشيعيّة العامّة وكان نطاق مرجعيّته واسعاً؛ فكان لديه مقلّدين كثر في العراق، إيران، أفغانستان، باكستان، لبنان، ودول الشاطئ الجنوبي من الخليج الفارسي وعلى مستوى العالم. لكنّه كان يرى نفسه مكلّفاً بأخذ الإذن من المرجع المتصدّي لولاية الأمر فيما يخصّ الإقدام على العمل السياسي المتمثّل بمواجهة النظام البعثي. هذا دليلٌ على تواضع سماحته وتديّنه وتقواه الرّفيعة جدّاً. لقد كان سماحته يتمتّع فعلاً بتقوى وإخلاص عجيبين وكان ينجز كلّ أعماله بنيّة خالصة.
نسأل الله عزّوجل أن يرفع من درجات سماحته. يجب أن تخلّد ذكراه وأفكاره الأصيلة؛ خاصّة أنّ أفكاره ذات قدرة حقيقيّة على ضخّ الحياة في العالم العربي وإحداث ثورة [تغييريّة]؛ لذلك ينبغي التطرّق إلى أفكاره في كلّ مكان وفي العالم العربي على وجه الخصوص.
نأمل أن يوفّقنا الله جلّ وعلا جميعاً لإكمال مساره؛ ومسار الشهيد الصدر هو نفس تعاليم الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) السامية ونفس مسار الإمام الصادق (عليه السلام) وامتداد للسيرة العلويّة، الفاطميّة والحسينيّة. علينا أن ننهل من هذه التعاليم ونتعلّمها بشكل جيّد، ونبيّنها بشكل جيّد ونطبّقها بشكل جيّد.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل