وصف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم القرآن الكريم، فكان وصفاً حافلاً بمزايا القرآن، جامعاً لفضائله، فقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: “إنّها ستكون فتنة. قُلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، من ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا تلتبس منه الألسن، ولا يخلق من الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم ينته الجنّ إذ سمعته حتى قالوا: إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم”[1].
وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلّم أيضاً أنه قال: “القرآن أفضل كلّ شيء دون الله، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله”[2].
ولمّا كان القرآن كلام الله عزّ وجلّ، فلا يُقاس بكلام المخلوقين، ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: “فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه”[3]. وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: “القرآن غنى لا غنى دونه، ولا فقر بعده”[4]. وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: “القرآن مأدبة الله، فتعلّموا مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع”[5]. وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: “من أعطاه الله القرآن فرأى أن رجلاً أُعطي أفضل ممّا أُعطي فقد صغّر عظيماً، وعظّم صغيراً”[6].
ومن خلال ما تقدّم نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وأخاه أمير المؤمنين عليه السلام ومن أجل ربط الأُمّة بالقرآن الكريم والالتزام بما جاء فيه من مفاهيم وقيم وأحكام وأخلاق، قد بيَّنا لنا أنّ القرآن الكريم رفيق المتّقين، وأنّه ربيع القلوب المتجدِّد، وأنّ القرآن ينابيع العلوم، والشفاء النافع لأمراض الأُمّة بجميع أنواعها إن تمسّكت به وجَعْلته دستوراً لها، وكُانت سَالِكة سَبِيلَهُ، زَاهِدة فِي تَزْهِيدِهِ، رَاغِبة فِي تَرْغِيبِهِ، خَائِفة مِنْ تَخْوِيفِهِ، فَإنّها ستكون ثْابتة على الحق ولها البشرى، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّها مَا قِيلَ فِيها، وَإِنْ كاْنتَ مُبَايِنة لِلْقُرْآنِ، فَمَاذَا الَّذِي يَغُرُّها مِنْ نَفْسِها.
وهكذا أرشدنا مولانا الإمام الباقر عليه السلام في وصيّته لجابر الجعفي فعرّفنا الطريقة المثلى للثبات على الحق، وبشّر سالكيها بحسن المآل، ودلّنا على الطريقة العملية للنجاة من الشبهات والفتن والضلال عبر إصلاح النفس وإزالة عيوبها، عبر وزنها بميزان القرآن: “أعرض نفسك على القرآن الكريم، فإن كنت سالكاً سبيله” فإن قال لك: خفْ، فأنت تخاف، وإذا قال لك: تقدّم، فإنّك تتقدّم، وعندما يقول لك: قف، فأنت تقف، وحينما يقول لك: أَحِبّ، فأنت تُحبّ، وإن قال لك: أبغض، فإنّك تبغض[7]… بذلك تكون حالاتك مطابقة لأوامر الله تعالى، وعندها تُدرك لماذا قال في فرقانه الحكيم: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[8]. وقال وليه الباقر عليه السلام: “الذكر القرآن، ونحن أهله”[9].
نعم في بيتهم نزل القرآن، وأهل البيت أدرى بالذي فيه. وهما يشتركان معاً في إضاءة عقل الإنسان وروحه وقلبه، ويُوجهانه إلى حيث سعادته في الدارين، فلولا القرآن لم يكن للحياة هدى، ولا للإنسان رشد، ولا علق في طرفه نور، ولولا أهل البيت عليهم السلام لم يكن للرشد مُرشد، ولا للعلم معلم، ولا للنور مشكاة ومصباح، ولا للنجاة سفينة، فالقرآن الكريم أصل العلم، وأهل البيت عليهم السلام معرفته ومعدنه وبيانه.
المبصرون، من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) لتلميذه جابر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] المتقي الهندي، كنز العمّال، ج1، ص 175، تحقيق الشيخ صفوة السقا، نشر مؤسسة الرسالة ـ لبنان، 1989م.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 89، ص 19.
[3] م.ن.
[4] م.ن.
[5] م.ن.
[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 6، ص 181 ـــ 200.
[7] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزدي ألقاها بتاريخ / 7 آب / 2011م (بتصرّف).
[8] سورة النحل، الآية 43.
[9] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 23، ص 181