الشيخ البهائي هو محمد بن عز الدين حسين بن عبدالصمد.. عالم، وفيلسوف، ومهندس معماري وعالم رياضيات، وعالم فلكي وشاعر وأديب.
ويسمى “بهاء الدين”، ولد سنة 953 الهجري في بعلبك بلبنان، ونشأ في كنف والده الشيخ عزالدين الحسين بن عبدالصمد الذي كان عالماً محققاً جامعاً أديباً جليلَ القدر ثقةً ومن تلاميذ الشهيد الثاني.
انتقل الشيخ البهائي مع والده وهو صغير ـ إلى بلاد فارس، وهناك أخذ عن والده وغيره من أفاضل العلماء. وقد عاش في عهد الدولة الصفوية التي شهدت حركةً علمية واسعة أنذاك. فبقي الشيخ فيها جاداً في دراسته في كنف والده الذي اعتنى بتربيته وتوجيهه وحثه على مكارم الأخلاق وأرشده إلى العلوم النافعة، وشجعه على حفظ الشعر ونظمه، وغذاه بحب أهل البيت عليهم السلام وقول المدح والرثاء فيهم.
لقد كان الشيخ البهائي من علماء الفلك في العالم الاسلامي الذي اقتربوا من نظرية امكانية حركة الارض قبل انتشار نظرية كوبر نيكوس ورائدا في الهندسة المعمارية والتخطيط المدني urbanisme” والذي بدأه في اصفهان ونجف اباد والنجف الأشرف.
إن العالم الديني في الإسلام، لا ينحصر علمه بالفقه والثقافة الدينية، بل يجتهد ليؤلف منظومة متكاملة من كل العلوم والثقافات إنطلاقا من تعريف الفلسفة بأنها أم العلوم ونبعها ومركزها، فالعالم مشروع فيلسوف يتعاطى بشكل متلازم مع الدنيا والآخرة، مع تغليب الآخرة وتسخير الدنيا لأجلها وليصل إلى الدرجة العليا من العبودية والخشوع لله سبحانه.
إنجازاته العلمية والهندسية
يقول العلامة الأمين: (كان يضع تصاميم المعاهد والمعابد والقصور وغير ذلك من الأبنية التي اشتهر هذا الملك (وهو الشاه عباس الكبير) بإنشائها، وهي مبانٍ ضخمة لا يزال جملة منها قائماً.. ومنها عمارة المشهد العلوي في النجف. وهذه التصاميم تشهد بخبرته وبراعته الفنية في فرع الرياضيات والهندسة. وقد وضع تصاميم كثيرة من تلك المعابد والمساجد على أسس فنية، يستفاد منها تعيين المواقيت الشرعية…
هذا إلى روايات أخرى شائعة عند الجمهور عن أعماله الرصدية والفلكية في أصفهان وغيرها من ديار الفرس والعرب.
ومما لا شك فيه أن سور مشهد أمير المؤمنين(ع) القائم اليوم يرجع إلى عصر الشاه عباس الكبير، وإن الشيخ البهائي أشرف على وضع أسسه وإنشائه.
آثاره المعمارية في أصفهان
تضم أصفهان آثاراً خالدة متعددة، أُنشئت إبان العصر الذهبي، حتى سميت (نصف الدنيا). ومن أروع هذه الآثار تلك التي حققها الشيخ البهائي، الذي استطاع أن يحقق علومه ويخرجها إلى حيز التنفيذ، فجاءت كالمعجزات:
ميدان تصوير العالم: وهو عبارة ساحة مستطيلة واسعة جداً في وسط أصفهان. طولها نحو 500 متر وعرضها 150 متراً. وقد أنشئ هذا الميدان في القرن الحادي عشر الهجري ليكون مكان اجتماع للشعب أمام المقر الملكي. ويحتوي هذا الميدان على عدة آثار معمارية راقية، منها: مسجد الشاه عباس الكبير، مسجد شيخ لطف الله، قصر عالي قابو.
مسجد الشاه عباس: هذا المسجد من أعظم الروائع الأثرية، ومن أعظم وأكبر المساجد في الدنيا، في سعته ورحابته، وفي فن عمارته وهندسته. فهو يحوي ساحات وساحات تتوسطها البحيرات الكبيرة، وفيه من القباب المزينة ما لا يحيط به النظر. ويحيط بالصحن الاقواس المرصعة بالقيشاني التي عمل في تنسيقها وإنجازها آلاف المهندسين المعماريين. ومن أعجب تلك القباب (قبة الصدى).
قبة الصدى: وهي عبارة عن قبة كبيرة مكسوة من الداخل بالقيشاني، وهي مصممة بشكل هندسي معين، بحيث إذا وقف شخص تحتها في النقطة المقابلة لذروتها وتكلم بكلمة، فإنه يسمع رجيعها سبعة أصداء تردد الكلمة التي قالها بشكل واضح قوي. والقبة غير كروية تماماً ولا بيضوية تماماً.
الشمعة التي لا تنطفئ: ومن الآثار التي تنسب إلى الشيخ البهائي: بناء حمام يوقد بشمعة واحدة، تشتعل على الدوام بدون وقود. وكانت تزود الحمام بالماء الساخن دائماً، دون أن تذوب، وظل الأمر كذلك حتى جاءت بعثة من العلماء الإنجليز، فاستغربت مصدر المياه الساخنة التي لا تنتهي.
المنارتان المهتزتان: وتقعان في ضاحية أصفهان، وهما من تصميم الشيخ البهائي. ويتألف البناء من إيوان كبير عالٍ ذي قوس، وتحت القوس قبر منحوت من الحجر. وفوق الإيوان بنيت منارتان عاليتان على طرفي القوس. وفي المنارة سُلم لولبي. فإذا صعد شخص إلى إحدى المنارتين وجعل يهزها تحركت تلك المنارة وترنحت من تحريكه.
كما قا بتصميم مقام أمير المؤمنين (ع): لقد صمم البهائي الحُجر المحيطة بالصحن الشريف لمقام أمير المؤمنين(ع) بشكل عجيب. فلكل حجرة إيوان، وإذا حان وقت الظهر تكون الشمس قد وصلت إلى المنتصف من كل إيوان.
وتكريما واعترافا بانجازاته الهندسية فقد اعلن في ايران يوم 23 نيسان من كل عام يوما للمهندس المعماري الوطني بمناسبة ميلاد الشيخ البهائي، الذي اشتهر بهذا الإسم، لصفاء دينه وعقله وفكره وسلوكه، فإنه يمثل واحدا من النخبة العلمية والفقهية التي انطلقت من جبل عامل.
وفاته
في سنة 1031هـ قضى بهاء الدين العاملي نحبه، ودُفن في طوس إلى شرقي مقبرة الإمام الرضا (ع). وذلك بعد حياة مليئة بالعلوم والإنجازات المدهشة ولا تزال تلك الإنجازات ماثلةً للعيان، مخلدة ذكر البهائي، الذي تاهت العقول في تفسير منجزاته وتأويل معجزاته.