في السابع من شهر آب/ أغسطس من عام 1979 المصادف للثالث عشر من شهر رمضان للعام 1399، ومع بدء الكيان الغاصب للقدس جولة جديدة من الإعتداءات الوحشية على لبنان وإرتكاب مزيد من الجرائم البشعة فيه، بادر الإمام الخميني الراحل (ره) إلى إعلان آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس داعياً كافة مسلمي العالم للتضامن الإسلامي في هذا اليوم العظيم.
فيما يلي نص رسالة الإمام الراحل: على مدى سنوات طويلة وأنا أحذر المسلمين من خطر الكيان الاسرائيلي، أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة أيضاً، في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، يوما للقدس. وأن يعلنوا من خلال مراسيم الاتحاد العالمي للمسلمين، دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم).
وبعد بضعة أيام من إصداره لهذه الدعوة إلتقى الإمام الراحل في مدينة قم المقدسة بحشد من مختلف شرائح الشعب الإيراني وألقى فيهم خطبة شرح من خلالها أبعاد (اليوم العالمي للقدس). وفيما يلي نص تلك الخطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن يوم القدس يوم عالمي، وليس يوماً يخصّ القدس فقط بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين. يوم مواجهة الشعوب التي رزحت تحت ضغط الظلم الأمريكي وغير الأمريكي. يوم يجب فيه أن يستعد المستضعفون لمواجهة المستكبرين ويمّرغوهم في التراب. يوم يمتاز فيه المنافقون عن الملتزمين؛ فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم (يوم القدس) ويعملون بما يجب أن يعملوا به، وأما المنافقون والمرتبطون بالقوى العظمى خلف الستار والذين يعقدون الصداقة مع إسرائيل لا يهتمون بهذا اليوم ويمنعون الشعوب من إقامة المظاهرات. إن يوم القدس يوم يجب أن يتعين فيه مصير الشعوب المستضعفة. لابد للمستضعفين أن يبرزوا شخصيتهم أمام المستكبرين. وكما قام الشعب الإيراني وأرغم أنوف المستكبرين وسيرغم أيضاً، فلتقم سائر الشعوب وتلقي بهذه الجراثيم المفسدة في المزابل.
إنه اليوم الذي يجب أن ينهضوا وننهض فيه لإنقاذ القدس وإنقاذ إخواننا اللبنانيّين من هذا الظلم. إنّه اليوم الذي يجب أن نخلّص فيه جميع المستضعفين من قيود المستكبرين. يوم يجب أن يُظهر المجتمع الإسلامي شخصيته فيه ويهدّدوا القوى العظمى وعملاءهم المتبقّين في إيران أو سائر البلدان. إن يوم القدس هو اليوم الذي يجب أن ننبه فيه هؤلاء المثقفين الذين يعقدون العلاقات خلف الستار مع أمريكا وعملائها، ننبههم بأنهم لو لم يتركوا هذه التحرشات فإنهم سوف يقمعون، وإنّا قد أمهلناهم وعاملناهم بلطف لعلّهم يتركون الأعمال الشيطانية، وإن لم يتركوها فسوف أقول فيهم كلمتي الأخيرة وسوف أشعرهم إن النظام السابق لن يعود ولا يمكن بعد هذا أن تحكم علينا أمريكا أو سائر القوى العظمى.
يجب أن نعلن لجميع القوى الكبرى في يوم القدس أن يرفعوا أيديهم عن المستضعفين ويلزموا أماكنهم. إنَّ إسرائيل عدوة البشرية وعدوة الإنسان، في كل يوم تخلق فاجعة وتحرق إخواننا في جنوب لبنان. إنَّ على إسرائيل أنْ تعلم أنّ أسيادها قد خسروا موقعهم الاجتماعي في العالم ولابدّ لهم من الانزواء، ولابّد لهم من قطع أطماعهم في إيران، ويجب أن يُمنعوا من التدخل في جميع البلاد الإسلامية. إنَّ يوم القدس هو يوم إعلان هذا الأمر وإعلان أن الشياطين يحاولون إخراج الشعوب من الساحة لفسح المجال لتدخّل القوى الكبرى. إنّ يوم القدس هو اليوم الذي تُقطع فيه آمالهم وينبهون بأن ذلك الزمان قد ولّى.
يوم القدس هو يوم الإسلام ويوم إحياء الإسلام، فلابد من إحيائه وتنفيذ قوانينه وأحكامه في جميع الأقطار الإسلامية. يوم القدس يوم ننّبِه فيه القوى العظمى بأن الإسلام لن يقع بعد هذا تحت سلطتكم بواسطة عملائكم الخبثاء. يوم القدس يوم حياة الإسلام، ولابد أن يستيقظ فيه المسلمون ويشعروا بقدرتهم المادية والمعنوية.
إنّ المسلمين يبلغون مليار نسمة وينعمون بالتأييد الإلهي، والإسلام يحميهم والإيمان يدافع عنهم، فمن أي شيء يخافون؟ إنّنا قد نهضنا مع قلّة عددنا أمام أعدائنا الكثيرين والقوى العظمى وهزمناهم. ولا تظنوا أن بعض هذه الطوائف الفاسدة، بعض هؤلاء اليساريّين الأمريكيين وغير الأمريكيين يتمكنون من إبراز وجودهم في هذا البلد. فنحن إذا أردنا وأراد شعبنا فإنهم سيُحذفون جميعاً في مزابل الفَناء خلال ساعات. وإنَّ شعبنا العظيم لن يخاف من هذه التحرّكات اليائسة واِنَّ تحرّكات اسرائيل في جنوب لبنان وبالنسبة للفلسطينيين هي أيضاً تحركات يائسة. إنَّها تحركات الفاسدين في نهاية أمرهم كما صنعه الشاه المخلوع في إيران وانتهى بهلاكه وفنائه.
ولتعلم الحكومات في العالم أن الإسلام لن ينهزم، وأن الإسلام وتعاليم القرآن لابد أن تتغلّب على جميع الدول، ولابد أن يكون الدين هو الدين الإلهي. إنَّ الإسلام هو دين الله ولابد أن ينمو في جميع الأقطار الإسلامية. إنَّ يوم القدس يوم إعلان هذا الأمر. إنّه يوم إعلام المسلمين: إلى الأمام، تقدموا في جميع أقطار العالم.
يوم القدس ليس يوم فلسطين فحسب، إنَّه يوم الإسلام يوم الحكومة الإسلامية، يوم يجب أن ترفرف فيه راية الجمهورية الإسلامية في جميع الأقطار، يوم نعلن فيه للقوى العظمى أنها لن تتمكن من التقدم في البلاد الإسلامية.
إنني اعتبر يوم القدس يوم الإسلام ويوم الرسول الأكرم (ص) ويوم لابد لنا فيه من تجهيز القوى ونُخرج المسلمين من الانزواء ومن مواجهة الأجانب بكامل قوتهم وقدرتهم. ونحن نقاوم الأجانب بكل قوانا ولن نسمح للآخرين بالتدخل في أقطارنا، ولا يجوز للمسلمين أن يسمحوا لغيرهم بالتدخل في شؤون بلادهم. وفي يوم القدس لابد أن تحذّر الشعوب حكوماتها إذا كانت خائنة. وفي يوم القدس نتعرف على الأشخاص والأنظمة التي تتوافق مع المخربين العالمييّن والتي تخالف الإسلام. فالذين لا يشاركون في مراسم هذا اليوم مخالفون الإسلام وموافقون مع “إسرائيل”، والمشاركون فيها ملتزمون وموافقون للإسلام ومخالفون لأعدائه وعلى رأسهم أمريكا و”إسرائيل”. في يوم القدس يمتاز الحق عن الباطل وينفصل الحق عن الباطل.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينصر الإسلام.. وينصر المستضعفين على المستكبرين، كما أسأله تعالى أن ينقذ إخواننا في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي كل مكان في العالم من ظلم المستكبرين والناهبين.
والسلام على رسول الله وعلى أئمة المسلمين.