مقدمة:
إن شخصية الإمام الصادق (عليه السلام) المشهورة لا تحتاج إلى من يعرف بها ويمجدها، وكان الآخرون يسعون للتقرب من الإمام (عليه السلام) بغية الوصول إلى أعلى المراتب والمقامات.
وكانت مرحلة إمامته التي استمرت 34 عاماً فرصة مناسبة لينهل طلاب العلوم من المصدر الزلال لمعارف الإسلام، وكان تعامل الإمام (عليه السلام) مع جميع الأفراد والمجموعات حتى المخالفين له، يحمل الكثير من الدروس والعبر. وهنا كان النصيب الأكبر لأصحاب الإمام وطلبته. فلقد تخرج من مدرسة الإمام (عليه السلام) ومنبره آلاف الطلاب.
وقد ظهر بوضوح خلال فترة إمامة الإمام (عليه السلام) التعامل الهام واللائق له مع طلبته، وسنذكر منها هنا عنوانين:
ألف – تشجيع وتكريم الطلاب
يشير تاريخ حياة بعض أصحاب الإمام (عليه السلام) وطلابه إلى التعامل الحسن للإمام معهم سواء في حضورهم أو غيابهم، وفيما يلي نذكر بعض النماذج من تعامل الإمام مع طلبته:
1 – إبان بن تغلب
حدثنا إبان بن محمد بن إبان بن تغلب قال: سمعت أبي يقول: دخلت مع أبي إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فلما بصر به أمر بوسادة فألقيت له، وصافحه واعتنقه وسائله ورحب به[1].
2 – الفضيل بن يسار
كلما شاهد الإمام الفضيل بن يسار كان يقول: بشّر المخبتين وكان يشير إلى أن من يريد النظر إلى رجل من الجنة فلينظر إلى الفضيل. ثم يضيف بأن الفضيل من أصحاب أبي. وأنا أحب من يحب أصحاب أبي[2].
3 – هشام بن محمد
كان الإمام (عليه السلام) يهتم بهشام بن محمد السائب الكلبي بحيث كلما دخل هشام أجلسه الإمام إلى جانبه وتحدث معه بانبساط وارتياح[3].
4 – حمران
دخل بكير بن أعين في أيام الحج على الإمام الصادق (عليه السلام)، فسأله الإمام (عليه السلام) عن حمران، فأخبره بكير أنه لم يتمكن من القدوم إلى الحج مع أنه في شوق كبير لرؤيتك فقال الإمام حمران مؤمن ومن أهل الجنة…[4].
5 – أربعة أشخاص صالحين
كان الإمام الصادق (عليه السلام) يتحدث حول أربعة أشخاص من طلابه ويعتبرهم بمثابة أعمدة الأرض وأعلام الدين وهم: محمد بن مسلم، برير بن معاوية، ليث بن البختري المرادي وزرارة بن أعين[5].
6 – إحترام الطالب الشاب والنشيط
كان للطلاب الشباب حضور بين طلبة الإمام الصادق (عليه السلام). ومن جملتهم هشام بن الحكم الذي كان يتمتع بمنزلة خاصة عند الإمام كما ينقل الشيخ المفيد[6] وكان البعض يتعجب من هذه المنزلة. كتب الشيخ المفيد قائلاً: دخل هشام بن الحكم وهو غلام أول ما اختط عارضاه في مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) وقد ازدحم بشيوخ الشيعة والأشراف من بني هاشم وقريش فقام الإمام الصادق (عليه السلام) وأجلسه إلى جانبه فثقل ذلك على أهل المجلس، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده[7].
ب – الأنس بالطلبة
كان الإمام الصادق (عليه السلام) يحب طلبته وأصحابه ويفرح عند لقائهم حيث كان الجميع يشاهد مدى فرح الإمام من مشاهدة طلبته وأصحابه.
يروي عنبسة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه كان يشكو إلى الله من أهل المدينة ومن وحدته ما دام لم يشاهد ويجالس طلبته وأصحابه الذين كان يفرح لرؤيتهم وكان الإمام (عليه السلام) يتمنى أن يتركه أبو جعفر المنصور ليتمكن من رؤية أصحابه وطلبته بشكل مستمر[8].
وقد أرسل الإمام شخصاً يطلب أبو حمزة، فلما قال له الإمام (عليه السلام): «إني لأستريح إذا رأيتك»[9].
قد يقال بأن الإمام الصادق (عليه السلام) كان يأنس بالطلاب والأصحاب الذين كانوا في الكوفة وهذا ما يظهر من الحديثين الأخيرين. فكان هؤلاء الطلاب يعرفون الإمام جيداً وفي المقابل كان الإمام (عليه السلام) يعبر عن مدى فرحته وسروره بلقائهم.
في الجواب يمكن القول ان الإمام كان يرحب بأصحابه وطلببته من غير أهل الكوفة أيضاً وهذا ما صرحت به الكتب المختصة. ونذكر على سبيل المثال لقاء الإمام (عليه السلام) مع عقبة بن خالد الذي دخل عليه برفقة المعلى بن خنيس وعثمان بن عمران حيث قال الإمام (عليه السلام) لهم: مرحباً مرحباً بكم وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة)[10].
مبلغان – بتصرّف
[1] رجال النجاشي، ص8.
[2] سفينة البحار، ج2، ص370.
[3] منتهى الآمال، ج2، ص179.
[4] شاكر دان مكتب أئمة، ج1، ص261، الاختصاص، المفيد، ص192.
[5] المصدر نفسه، ص239.
[6] سفينة البحار، ج2، ص719.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه، ج2، ص21.
[9] شاكر دان، مكتب أئمة، ص100.
[10] تنقيح المقال، ج2، ص247