لقد اختصّ الله سبحانه وتعالى بعض عباده بعنايات وألطاف خاصة، بلغوا بها أعلى درجات الكمال البشري، وأدنى مراتب القرب المعنوي، فجعلهم مظاهر لطفه ومجالي رحمته. فكانوا مظاهر أسمائه وصفاته، حتى أنه تعالى مكنهم من التصرف في هذا الكون وسخر لهم الأشياء. فصدر عنهم ما خرقوا به نواميس الطبيعة، فظهرت على أيديهم المعجزات والكرامات.
والسيدة المعصومة من تلك الذرية التي اختصها الله سبحانه بعنايته ولطفه، فليس من الغريب أن يكون لها نصيب وافر من الكرامات، حتى أنه أصبح من المألوف أن يسمع الإنسان عن كرامات للسيدة المعصومة.
من كراماتها
1- الناس يجتمعون عند ضريح السيٌدة المعصومة عليها السلام، ويلتفون حول امرأة قد التصقت يداها بالضريح، ولا تستطيع فكاكهما. إنّها امرأة فاجرة كانت تُمسك بأطراف الضريح وتغرر بشابةٍ لتسوقها إلى الحرام.
فهي تهتك حرمة المكان الشريف، فكان أن عاقبتها السيدة المعصومة عليها السلام بإلصاق يديها بشباك الضريح. ولحل المشكلة لجأوا إلى أحد مراجع ذلك العصر. فأمرهم بوضع شيء من تربة الإمام الحسين عليه السلام في الماء، ثم يصب على يدي تلك المرأة. فصنعوا ما أمرهم به. وما أن صبوا ذلك الماء الممزوج بتربة سيد الشهداء على يديها إلا وانفكتا عن الضريح. ولكنّ هذه الفاجرة على أثر تلك الحادثة كانت قد فقدت عقلها، ولهذا كانت تجوب الشوارع والأسواق والأزقّة هائمة على وجهها، فكانت بذلك عبرةً لمن يعتبر. إلى أن جاء يوم دهستها فيه سيارة، فختمت حياتها السوداء بذلك 1.
2- السيد محمد الرضوي الذي كان أحد خدّام الحرم الشريف يقول: كنت ذات ليلة نائماً، فرأيت في عالم الرؤيا السيدة المعصومة عليها السلام تأمرني قائلة : قم، وأنر منارات الحرم ! وكان قد بقي لأذان الصبح أربع ساعات، مما جعلني أغط في نومي مرّة أخرى. وإذا بالسيدة المعصومة عليها السلام تأتيني للمرة الثانية، وتأمرني بنفس الأمر، فأرجع فأنام. ولكنها في المرة الثالثة صاحت بي مغضبة: ألم أمرك بإنارة المنارات ! فنهضت مسرعاً وأسرجت الضياء منفذاً أمرها. وكانت تلك الليلة ليلة شديدة البرودة، وقد غمرت الثلوج الأبنية والأزقة والطرق، فألبستها ثوباً أبيض. ولكن اليوم التالي كان مشمساً.
وحينما كنت واقفاً عند باب الحرم الشريف، سمعت مجموعة من الزوار يتحدثون ويقول أحدهم للآخر: كيف نشكر السيدة المعصومة على حسن صنيعها معنا ليلة البارحة؟ إنه لو تأخرت إضاءة المنائر لدقائق لكنا من الهالكين. فتبين أنهم قد ضيعوا الطريق لانغمارها بالثلوج التي أخفت كل أثر لها، فلم يشخصوا اتجاه البلدة، فتاهوا. وعندما أضيئت المنارات بأمر السيدة المعصومة عليها السلام عرفوا الطريق إلى البلدة، ونجوا من هلاك محقق، تحت وطأة الثلوج والبرد الشديد 2.
3- ما كتبه العالم والخطيب القدير الشيخ جوانمرد، عمّا جرى من كرامة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام لإحدى بناته فقال: في عام 1984م رزقنا الله بنتاً أسميناها أسماء وما إن مضى شهران على ولادتها حتى أصيبت بمرض الاختناق وضيق النفس.
تصوّرنا في البداية أن المرض هو ذات الرئة الربو، فأخذناها إلى طبيب مختصّ بأمراض الأطفال، وكان تشخيصه الأول أنّها مصابة بالربو، فأدخلناها مستشفى آية الله الگلبايگاني، وبقيت فيه اثني عشر يوماً تقريباً، تتعالج عن هذا المرض، وقد وضعت في الحاضنة، ولكن لم يظهر أي أثر للعلاج.
وبعد اثني عشر يوماً أخذناها إلى طبيب آخر مختصّ بأمراض الحنجرة والأنف ووصف دواء ولكن بلا فائدة. ثم انتقلنا إلى طهران فلعلّ تشخيص المرض يتمّ هناك، وبعد مراجعة عدّة مستشفيات تقرّر أخيراً إدخالها مستشفى “أخوان طهران” المتخصص بعلاج الأطفال.
وبقيت راقدة في المستشفى لمدّة شهر كامل، كانت تعيش خلالها على التنفس الصناعي والمغذّي المائي – المنعش – عن طريق الوريد. وبعد الفحوصات الطبيّة أخبرونا عن احتمال وجود جسم غريب في رئتها، وهو السبب في أصابتها بحالة الاختناق وضيق التنفس، وقالوا: لابدّ من إجراء عملية بالمنظار لاكتشاف ذلك الجسم الغريب، إلا أن هذا الجهاز غير موجود في المستشفى، وذكروا أيضاً أن إجراء هذه العملية ربّما يؤدي بحياة الطفلة نظراً لصغر سنّها، خرجنا من المستشفى ولم يكن لنا بد من الرجوع إلى قم، وقد اشتدّت حالة الاختناق عندها، فلم تعد قادرة على الأكل والنوم.
وعلى إثر إصرار أمّها عدنا بها إلى طهران مرّة أخرى، وأدخلناها مستشفى المفيد في طهران، وبقيت على الفراش اثني عشر يوماً، وأجريت لها عمليّة المنظار وتبيّن أن الرئتين سليمتان، وقالوا لنا: من المحتمل أن تكون عضلات الحنجرة مصابة بارتخاء، وهو السبب في حالة الاختناق وضيق التنفس.
خرجنا من المستشفى بلا فائدة ورجعنا إلى قم ونحن في حالة شديدة من اليأس. بعد يومين أو ثلاثة قرّرت أم الطفلة أن تصوم وتلتجئ بها إلى حرم السيدة الجليلة فاطمة المعصومة عليها السلام. صامت الأم في ذلك اليوم، وفي الليل أخذت طفلتها وذهبت بها إلى الحرم الشريف، وكانت قد قالت لأحد أولادها أن يأتي إلى الحرم في الساعة الثانية عشر ليلاً ليرجع بها إلى المنزل.
وفي الموعد ذهب الولد إلى الحرم ليأخذ أمّه إلى المنزل فقالت له أمه: إلى الآن لم تظهر أي نتيجة، ارجع وسأبقى إلى الصباح. تقول الأم: بقيت إلى الصّباح في الحرم مشتغلة طيلة الوقت بالدعاء والبكاء، وقد ربطت الطفلة بمنديل في ضريح السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، وهي في تلك الحالة من الاختناق وضيق التنفس، وكان كلّ من يراها فكأنّه يرى أن الموت على بعد خطوات منها.
كنت بين حين وآخر أضع في فم الطفلة ملعقة من الماء الممزوج بالسكر، فقالت لي نسوة هناك لا تؤذي الطفلة ودعيها وشأنها. حتى إذا أذّن لصلاة الصبح تركت الطفلة وابتعدت قليلاً عن الضّريح، وبعد أن صلّيت الفريضة اعترتني حالة تغيّرت فيها أحوالي وصرت أسائل نفسي: كيف أرجع بهذه الطفلة بلا فائدة؟ هناك قلت: إلهي لم يبق لي أمل سوى قبر السيدة المعصومة، وإلى هذه اللحظة لم تظهر أي نتيجة.
بكيت قليلاً وجئت إلى الطفلة لأفتح المنديل، ويا للعجب رأيت الطفلة قد نامت في وقت ما كانت تستطيع فيه أن تنام، لم أخبر أحداً بشيء وفتحت المنديل، ولم تكن الدنيا تسعني من الفرحة والسرور، وأخذت الطفلة وتوجّهت بها إلى المنزل.
بقيت الطفلة نائمة إلى الظهر وبعده استيقظت من نومها، فشربت الحليب وهي في صحة تامّة. وقد منّ الله سبحانه وتعالى على ابنتي بالشفاء الكامل ببركات قبر السيدة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. وقد مضى على هذه الحادثة عشر سنوات وهذه الطفلة في الصف الرابع الابتدائي، وهي تلميذة متفوقة في دراستها كما أنّها ملتزمة بالصلاة وسائر المسائل الشرعيّة، وذلك من ألطاف كريمة أهل البيت عليها السلام3.
4- ينقل المرحوم الديني السيد شهاب الدين النجفي المرعشي صاحب المكتبة العظيمة في قم والمدفون فيها:أنّ أباه آية الله العلامة السيد محمود المرعشي الذي كان يسكن في النجف الأشرف كان يودّ كثيراً أن يعلم بمكان قبر جدّته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام؛ولهذا السبب انزوى للعبادة والتوسل في حرم أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام مدة أربعين ليلة.
في الليلة الأربعين رأى في المنام الإمام وقد خاطبته بأنّي لا أقدر مخالفة وصيّة الزهراء بإخفاء قبرها،وإذا أردت أن تحصل على ثواب زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام فعليك بكريمة أهل البيت عليهم السلام،فاستفسر السيد المرعشي:ومن هي كريمة أهل البيت عليهم السلام؟ فأجابه الإمام عليه السلام:فاطمة بن موسى بن جعفر المدفونة بقم.
ثم يقول آية الله شهاب الدين المرعشي:أمرني والدي أن أذهب إلى زيارة جدّتي في قم، فهاجرت من النجف إلى إيران لزيارة ثامن الأئمة الإمام الرضا عليه السلام وأُخته السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام،ثم بإصرار مؤسس الحوزة العلمية الشيخ عبد الكريم الحائري سكنت بقم،وطاب لي المقام بجوار السيدة المعصومة عليها السلام وها أنا منذ ستين سنة من زوّارها على الدّوام 5.
1- سيّدة عشّ آل محمَّد، السيّد أبو الحسن هاشم نقلاً عن كتاب كريمة أهل البيت، المعجزة رقم 70 ص 288، بتصرف في العبارة فقط.
2- فاطمة المعصومة قبس من أشعة الزهراء، محمد علي المعلم، دار الهادي، ط1، بيروت/لبنان، 1421هـ/2000م، ص203.
3- المرجع نفسه، ص 199-202.
4- التولية: وهو المسؤول أو المدير العام التنفيذي لكل شؤون الحرم من التنفيذية والثقافية وغيرها.
5- لمحات من حياة الإمام الرضا عليه السلام وأخته السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، الشيخ أيوب الحائري، دار الولاء، بيروت لبنان، 1424هـ/2004م، ص82.