من الأدعية المشهورة التي ورد الحثّ على قراءتها في زمن غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف دعاء العهد. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “مَن دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان مِن أنصار قائمنا، فإنْ مات أخرجه الله من قبره وأعطاه الله بكلّ كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيّئة”(1).
* دوره في تحديد المصير
هذا الدعاء له آثار وبركات عديدة في الدنيا والآخرة. ينقل أحد المقرّبين من الإمام الخمينيّ قدس سره أنّه قال: “أحد الأمور التي أوصاني بها الإمام في أيّامه الأخيرة قراءة دعاء العهد”. كان يقول: “اقرأ هذا الدعاء في كل صباح، فإنّ له دوراً في تحديد مصيرك”(2).
وقد جاء في سيرة هذا العالِم العظيم أيضاً أنّه لم يكن غافلاً عن الأنس بكتاب “مفاتيح الجنان” حتّى في تلك الحالة التي كان فيها في المستشفى لإجراء عمليّة جراحيّة. وبعد رحيله، عندما جاؤوا بمفاتيح الجنان الخاصّ بالإمام ليعيدوه إلى البيت وجدوا على هامش دعاء العهد الذي كان يقرأه الإمام أربعين صباحاً، أنّه قد كتب: تاريخ الابتداء الثامن من شوال(3).
* آثار المداومة على قراءة الدعاء
ذكر بعض العلماء أنّ من أهم آثار المداومة على هذا الدعاء ثلاثة أمور:
1- من ثواب المداومة عليه أن يكون في خدمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمان ظهوره.
2- ثبات وكمال محبّة الشخص للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وإخلاصه وإيمانه.
3- التوجُّه الخاص للإمام عليه السلام ونظر الرحمة الكاملة إلى مواليه.
* تخطيط الحياة المهدويّة
في هذا الدعاء تمّ ترسيم وتخطيط الحياة المهدويّة؛ لأنّه اشتمل على السلام الخاصّ من طرف الداعين، بل وجميع الرجال والنساء، المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها برّها وبحرها، وعن الوالدين والأولاد، إلى وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ثمّ يقوم القارئ بتجديد العهد والعقد والبيعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويظهر ثباته على هذا العقد إلى يوم القيامة. ثمّ يطلب من الله تعالى أنّه إذا وقع عليه الموت قبل ظهور الإمام أن يخرجه من قبره بعد ظهوره ليَسعد بكونه من أنصاره وأصحابه.
وفي المقطع الأخير هناك الدعاء بتعجيل الظهور والفرج وإقامة الحكومة الحقّة، وإصلاح أوضاع العالم، وإحياء حقائق الدين وأهل الإيمان.
* معرفة الله
يتألّف هذا الدعاء من ثمانية أقسام، أمّا القسم الأوّل فهو معرفة الله.
يبدأ الدعاء بعبارة “اللَّهُمَّ”، وقد تكررت 13 مرّة فيه، ما يعطي توجّهاً خاصاً للداعي إلى الله تعالى.
بعدها جاءت كلمة “رَبَّ” وقد تكرّرت في الدعاء 5 مرّات، ما يشير إلى أنّ على الداعي أن يستذكر الله دائماً وفي جميع لحظات الدعاء.
في القرآن الكريم ورد مثل هذا الدعاء، ففي سورة المائدة (الآية: 114) هناك: “اللَّهُمَّ رَبَّنَا”. أدعية القرآن عادة تبدأ بـ”رَبَّ”، ولكن في هذه الآية بدأت بكلتا الكلمتين: “اللَّهُمَّ رَبَّنَا”، لعلّ ذلك بسبب أهميّة الحادثة ودلالتها.
نتعلّم من هذا المقطع أنّنا لا بدّ من أن ننادي الله تعالى ونطلب منه بأدب كامل وبالصفة المناسبة لحاجاتنا.
قال النبيّ عيسى عليه السلام: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾ (المائدة: 112)، والمشركون يعلمون أنّ هذا لم يكن عملاً عادياً، بل معجزة غيبيّة إلهيّة.
وعليه، فمثل هذا الدعاء له سابقة في القرآن الكريم، وله دلالة على روح معرفة الله تعالى في الأدعية. والإنسان المنتظِر بحاجة إلى مجموعة من المعارف وأوّلها هو الذي ورد في بداية هذا الدعاء.
* الاستفادة من النعم المعرفيّة
إنّ الفرق بين الإنسان وسائر الموجودات الأخرى هو في قدرته على الاستفادة من هذه النعم المعرفيّة الكبرى. يكفينا ما يدعونا إليه تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم لكَسب المعرفة، ونرى ذمّه سبحانه وتوبيخه بشدّة لأولئك الذين لا يتفكّرون ولا يتدبّرون ولا يعقلون.
منعنا الله تعالى في كتابه أن نتّبع ما ليس لنا به علم: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (الإسراء: 36)، وقد وصف أولئك الذين يسيرون ويعملون بلا معرفة وتدبُّر بأنّهم صمٌّ بكمٌ عميٌ.
من اللافت جداً في مجال ضرورة المعرفة ما جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد، حيث يقول: “يا كميل، ما من حركة إلّا وأنت محتاج فيها إلى معرفة”(4).
المعرفة هي التي تعطي القيمة لأعمالنا، ففي الإسلام تُقاس درجات الأعمال والأفعال بميزان المعرفة، وكلّما زادت معرفتنا كلّما صارت قيمة أعمالنا أعلى وأرفع.
معرفة الله، الأنبياء، الأئمّة، الوجود، أصول الدين وفروعه، أمر ضروريّ ولازم للمنتظرين.
بالالتفات إلى هذا الأمر، فإنّ أوّل المسير الذي يخطّه هذا الدعاء للحياة المهدوية هو معرفة الله؛ لأنّ بداية هذا الدعاء هي بذكر الله تعالى وصفاته.
من يريد أن يعرف إمام زمانه عليه أن يعرف الله أولاً، وقد ورد الحثّ على قراءة دعاء: “اللهم عرّفني نفسك فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك…”(5).
* معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام
معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام، والإنسان الذي يسعى لمعرفة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف لا بدّ من أن يكون لديه معرفة توحيديّة وعلى معرفة بالله تعالى.
إنّ القاعدة والركيزة الأساس لجميع تحرّكات وتصرّفات المنتظرين الحقيقيّين للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي المعرفة الحقيقية بالله تعالى والمعرفة العميقة للتعاليم الدينيّة.
هذه النظرة هي التي تبعث على ملاحظة “الملَكَة الباطنية” في تطبيق جميع القوانين الإلهيّة، بحيث يلاحظ الشخص المنتظر ذلك في مشيه، جلوسه، نظره، وسمعه، بل وفي فكره أيضاً، ويقدّم رضى الله تعالى ورضى حجّة الله على كلّ شيء.
وقد حاز بحث معرفة الله تعالى أهميّة كبيرة في ما جاء في أوصاف أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد جاء فيهم أنّهم: “رجال عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ في آخر الزمان”(6)، “فهم الذين وحَّدوا الله، حقّ توحيده”(7).
لذا كان من علائمهم أنّهم: “مُجدّون في طاعة الله”(8)، و”هم الذين قال الله فيهم.. يحبّهم ويحبّونه”(9).
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج53، ص95، المزار الكبير، الشيخ المشهدي، ص663.
2.برداشتهايى أز سيره امام خمينى (فارسي)، ج3، ص42.
3.(م.ن)، ص43.
4.بحار الأنوار، (م.س)، ج77، ص269.
5.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ج2، ص512.
6.كشف الغمة، علي بن أبي الفتح الأربلي، ج2، ص478.
7.إلزام الناصب، علي اليزدي الحائري، ج2، ص165.
8.(م.ن)، ص236.
9.الغيبة للنعماني، ص316، بحار الأنوار، ج52، ص370.