إن ما هو مسلّم به هو أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أمضى هو وأبو بكر ليلة الهجرة وليلتين اخريين بعدها في غار ثور الّذي يقع في جنوب مكة في النقطة المحاذية للمدينة المنورة([1]). هجرة النبي والمبيت في الغار
وليس من الواضح كيف تمت هذه المصاحبة والمرافقة ولماذا، فإن هذه المسألة من القضايا التاريخية الغامضة.
فإن البعض يعتقد بأن هذه المصاحبة كانت بالصدفة، فقد رأى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)
أبا بكر في الطريق، فاصطحبه معه إلى غار ثور.
وروى فريق آخرٌ أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ذهب في نفس الليلة إلى بيت أبي بكر، ثم خرجا معاً في منتصف الليل إلى غار ثور([2]).
وقال فريق ثالث: أن أبا بكر جاء هو بنفسه يريد النبيّ وكان (صلى الله عليه وآله) قد خرج من قبل فأرشدهُ «عليّ»
إلى مخبأ النبيّ (صلى الله عليه وآله).
وعلى كل حال فإن كثيراً من المؤرخين يعُدّون هذه المصاحبة من مفاخر الخليفة ومناقبه، ويذكرون هذه الفضيلة ويتحدثون عنها بكثير من الاسهاب والاطناب، وبمزيد من الاكبار والاعجاب.
قريش تفتش عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):هجرة النبي والمبيت في الغار
لقد تسبب فشل قريش في تغيير خطتها، فقد بادرت إلى بث العيون والجواسيس في طرقات مكة
ومراقبة مداخلها ومخارجها مراقبةً شديدةً، وبعثت القافّة تقتص أثره في كل مكان، وفي طريق مكة ـ المدينة خاصة.
ومن جانب آخر جعلت مائة ابل لمن يأخذ نبي اللّه، ويردّه عليهم أو يأتي عنه بخبر صحيح.
وعمد جماعةٌ من قريش إلى ملاحقة رسول اللّه والتفتيش عنه في شمال مكة، حيث الطريق المؤدي إلى المدينة، على حين أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان قد اختبأ ـ كما قلنا ـ في نقطة بجنوب مكة لإفشال عملية الملاحقة.
وتصدت مجموعة اُخرى لتتبع أثر قدم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ورفيقه!!
وكان الّذي يقفو لهم الأثر يدعى أبا مكرز فوقف بهم على باب حجرة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)
فقال هذه قدم محمّد، فما زال بهم حتّى أوقفهم على باب الغار فانقطع عنه الأثر
فقال : ما جاوز محمد ومن معه هذا المكان، إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض،
فإن بباب هذا الغار ـ كما ترون عليه ـ نسجُ العنكبوت والقبجة حاضنة على بيضها بباب الغار([3])، فلم يدخلوا الغار.
ولقد استمرت هذه المحاولات بحثاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أيام بلياليها ولكن دون جدوى،
فلما يئس القوم بعد ثلاثة ايام من السعي تركوا التفتيش وكفوا عن الملاحقة.
هجرة النبي والمبيت في الغار
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، آية الله الشيخ جعفر السبحاني
([1]) حيث ان الطريق المؤدي إلى المدينة تقع في شمال مكة، فاختبأ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في منطقة مقابلة أي في اسفل مكة، ليعمي بذلك على قريش فلا يتبعوا أثره.
([2]) تاريخ الطبري: ج 2، ص 100.
([3]) الطبقات الكبرى: ج 1، ص 229 تاريخ الخميس، ج 1، ص 327 ـ 328 وغيرها، ولقد ذكر عامة المؤرخين هذه الكرامة هنا، ولا ينبغي ـ نظراً لما ذكرناه في قصة الفيل وهلاك ابرهة وجنده بواسطة الابابيل، تأويل مثل هذا الكرامات.