آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
إنّ إحياء العدل وتعزيز روح الغنى في القلوب البشريّة، ركنان أساسيّان وميزتان مهمّتان في المدينة المهدويّة، وهي الحكومة التي لا تقوم إلّا على العدل. كما أنّ برنامجها الفكريّ لا يستند إلّا إلى تربية القلوب وسموّ روح البشر، فتُنير سبيل السعادة أمام الإنسان الذي ضلّ الطريق، وتعمّر له الحياة في الدنيا والآخرة.
العدالة
وإنّ لهذا العدل المنتظر والمرتقب على يدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف مظاهر عدّة، نورد بعضها:
1- أمن وأمان لا مثيل لهما
يحيا سكّان هذه المدينة في أمن من كلّ حيفٍ وجورٍ؛ إذ ستحيل هذه العدالة العداوة إلى محبّة، والنزاع إلى صُلح، والبغضاء إلى صفاء ومودّة.
ولن يقتصر وجود الصفاء والمودّة على البشر، بل سيسودان عالم الحيوانات أيضاً، فتثمر العدالة أمناً عامّاً في ظلّ الحكومة المهدويّة، فيمكن للمرأة أن تسافر وحدها من العراق إلى سوريا، دون أن يتعرّض لها أحدٌ من البشر أو أي حيوان، ودون خوف أو وجل كما تنصّ على ذلك الروايات الشريفة: “ويملأ قلوب أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم غنىً، ويسعهم عدله”(1).
وفي رواية: “ولو قد قام قائمنا… لذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام… لا يهيجها سَبُعٌ ولا تخافه”(2).
2- عدالة تشمل الجميع
لا وجود لأيّ نحو من أنحاء الظلم في ظلّ فضاء العدل الشامل، والغنى الكامل في المدينة المهدويّة في المجالَين الاقتصاديّ والسياسيّ، وستزول مظاهر الإنفاق المترف، والعطاء الزائد، اللذين يمثّلان آفة العدالة في غياب الإنصاف، بل يُعطى كلّ ذي حقّ حقّه، بلا نقصٍ أو زيادةٍ كما تبيّن الروايات: “إذا قام قائمنا اضمحلّت القطائع(3)، فلا قطائع”(4).
3- حزمٌ في وجه المسيئين
لن تقتصر دائرة العدل المهدويّ على الأمن والأمان في سائر شؤون حياة الإنسان، فإنّ تعامل الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف القائم بالحقّ، المرافق للعدل، يجعله يقف وقفة حازمة أمام كلّ من يحاول الإساءة إلى العقيدة والإيمان والنفس والمال والعرض، أو من يحاول التعدّي على حريم الدين الإلهيّ؛ من أجل الحفاظ على حدود الدين، وسعادة العباد، من خلال الوقوف في وجه الطواغيت الساعين إلى السيطرة على بيوت الله، وتحقيق مكاسب مادّيّة.
ولذا، تراهم باعوا الدين بالدنيا وسعوا إلى التحكّم بإيمان المؤمنين الموحّدين، وانطلقوا لتحصيل لقمة العيش من خلال الارتشاء والغشّ، فوقعوا في حبائل شرّهم وظلمات غرورهم.
وهؤلاء هم السرّاق الذين تحدّث عنهم الإمام الصادق عليه السلام قائلاً: “أما إنّ قائمنا لو قد قام لقد أخذهم، وقطع أيديهم، وطاف بهم، وقال: هؤلاء سرّاق الله”(5).
4- الأمن المطلق للخواصّ
والأمن النسبيّ وإن كان مشهوداً في كلّ عصر، إلّا أنّ الأمن المطلق (سواء التكوينيّ أو التشريعيّ) لن يتحقّق إلّا لأولئك الذين اتّبعوا مسار العقل السليم والفطرة السليمة وقالوا: “لبّيك”، لدعوة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف التوحيديّة، واستظلّوا بظلّ شجرته الطيّبة.
كما سيشهد العالم في عصر حكومته حالةً خاصّة من الأمن والأمان، أشار إليها مولانا الإمام الصادق عليه السلام جواباً عن سؤال أبي بكر الحضرميّ عن قوله تعالى: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ (سبأ: 18)، قال عليه السلام: “مع قائمنا أهل البيت. وأمّا قوله: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه، كان آمناً”(6).
الأنصار الخُلّص: أدوات تحقيق العدل
يتوقّف تحقّق حكومة العدل المهدويّ بخطوطها الكلّيّة القائمة على أساس العدل النبويّ والعلويّ، المتجلّي بيديه عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما يتوقّف تحقّق النصر العالميّ الموعود، على توفّر العلّة القابلة؛ فهما (حكومة العدل المهدوي والنصر) رهينان بوجود تلاميذ صادقين، وجنود حاذقين واعين طوع أمره عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ومع وجود جماعة تضمّ أمثال طلحة والزبير وأبي موسى الأشعريّ، لن يشهد العالم إلّا الجمل وصفّين والنهروان، ولو كان قائد تلك الجماعة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؛ بسبب أنّ العلّة الفاعليّة تامّة (القائد)، إلّا أنّ العلّة القابلة غير تامّة (الأنصار)، خلافاً لأصحاب إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذين هم كالإمام الخمينيّ قدس سره، وغيره ممّن يقبّل التراب الذي يمشي عليه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ومن الواضح، أنّ هؤلاء الأنصار والأتباع الخُلّص يستفيضون مع كمال لياقتهم، بفيض الحقّ تعالى، عبر المجرى المطهّر لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، ويؤدّون حقّ الطاعة وحقّ التتلمذ، ما يتمكّن معه الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف من بسط عدالته على كلّ المعمورة؛ لتتجلّى فيه إرادة الله القدير، وتظهر زينة جماله.
الغلبة للصالحين
وإن وُجد من بين علماء عصر الظهور طائفةٌ فاسدةٌ، ستستفيد من كلّ الوسائل الماديّة لمعارضة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف علميّاً وعمليّاً، إلّا أنّ الغَلَبة والنصر سيكونان إلى جانب العلماء الصالحين الموالين للقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحقّ ببركة (كن فيكون)، فيستأصلون ميول ذوي القلوب السقيمة وأهواءهم، ولا يسمحون لهم أن يصلوا إلى آمالهم الباطلة.
(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود – الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة – الفصل الثاني – بتصرّف.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 51، ص 92.
2- الخصال، الصدوق، ص 626.
3- القطائع جمع قطيعة؛ بمعنى قطعة الأرض التي تُقتطع دون حساب، أو كتاب، وتُهدى إلى أحدهم. وقد وردت في الرواية كمثال على العطايا، التي يبذلها الطواغيت إلى خواصّهم بلا حقّ.
4- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 17، ص 222.
5- الكافي، الكليني، ج 4، ص 243.
6- علل الشرائع، الصدوق، ج 1، ص 113.