Search
Close this search box.

المعصومة: كريمة أهل البيت عليهم السلام

المعصومة: كريمة أهل البيت عليهم السلام

لقد جرى القضاء بما يرجى له حسن المثوبة لكريمة أهل البيت عليهم السلام عندما غيبوا والدها الإمام الكاظم عليه السلام في مطامير السجون ولها من العمر أربع سنوات ثم أيتمها القدر وهي في مطلع سن التكليف ففازت بعطف وحنان أخيها الإمام الرضا عليه السلام واكتسبت منه العلوم والمعارف حتى أدركت حقيقة الإمامة والولاية. وقبيل الوصول إلى منتصف المسير غيَّب الدهر عن ناظريها أخاها. ولما سعت للالتحاق به في خراسان من المدينة انتظرها القدر ثانية فغيبها عليه السلام. تلك أخت الرضا كريمة أهل البيت عليهم السلام السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

* الولادة
في أول ذي القعدة عام 173هـ أشرقت المدينة المنورة بالولادة المباركة للسيدة المعصومة(1) من أم صالحة مؤمنة هي نجمة خاتون، تتلمذت على يدي زوجة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، لذا أشارت حميدة زوجته على ولدها الإمام موسى بن جعفر بالزواج منها.

وتعتبر السيدة المعصومة ثاني وآخر أبنائها وكانت أعلى مقاماً ومنزلة من بعد الإمام الرضا عليه السلام(2). وقد اشتهرت بكريمة أهل البيت عليهم السلام.

* نشأتها
تربت السيدة فاطمة عليها السلام في حجر والدها الإمام موسى بن جعفر وحضن أمها التقية العالمة وترعرعت في ظل أخيها الإمام الرضا عليه السلام ما جعلها في فترة صباها تتبوأ مكاناً رفيعاً في العلم والمعرفة، وأحاطت بالكثير من العلوم الإسلامية, حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى وأضحت مشفّعة بالمؤمنين يوم القيامة كما جاء في الزيارة المأثورة عنهم عليهم السلام (يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإن لك عند الله شأناً من الشأن…)(3).

* فاطمة كمثل فاطمة عليها السلام
ولدت السيدة الطاهرة وقد مضى ثلاث سنوات على خلافة هارون الرشيد الذي عُرف ببطشه وظلمه وانغماسه في الدنيا. وهو كأسلافه اعتبر أن خصومه الحقيقيين آل علي عليه السلام، فأمر باعتقال الإمام الكاظم عليه السلام وأودعه السجن.

وهكذا فتحت عينيها على المحن والخطوب، وامتزجت حياتها بالحزن والألم

وما إن بلغت سن التكليف حتى بلغها نبأ استشهاد أبيها في السجن ما حوّل آمالها آلاماً

تعتصر القلب النابض بعشق موسى بن جعفر عليه السلام.

وما أشبه حياتها بحياة جدتها الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام.

* فاطمة أخت الرضا عليه السلام
بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر انتقلت إلى كنف الأخ الشقيق لها وهو الإمام الرضا عليه السلام، وأخذت عنه العلوم والمعارف واكتسبت منه الفضائل والمناقب.

وقد كان لها بأخيها صلة خاصّة قلّ نظيرها, وتميزت هذه الصلة بينهما بحيث أصبحت تعرّف نفسها بأنها أخت الرضا عليه السلام.ولعل السبب في ذلك هو أنها وجدت في أخيها الأخ الرفيق والأب الشفيق, مضافاً (وهو الأهم) إلى أنها أدركت مقام الإمامة.

ولعل ترعرعها في كنف الإمام الأخ أنساها شيئاً من مصاب الإمام الأب.

* فاطمة في قلب المحنة
تظللت السيدة المعصومة بفيء إمامة أخيها الرضا سبعة عشر عاماً من عام 183هـ تاريخ شهادة الإمام موسى الكاظم إلى حين سفر الإمام الرضا إلى مرو عام 200هـ حين طلب منه المأمون العباسي التوجه إليه لتسلّم ولاية العهد.

وطيلة هذه الفترة كانت تشعر بدفء الحنان والعاطفة نتيجة العلاقة الشديدة بأخيها الإمام الرضا.

إلا أن حكام بني العباس حالوا بين الأخ وأخته, ولم تستطع أن تعيش بعيدة عن الإمام فقررت الخروج إليه قبل مضي سنة من بعده عنها، إلا أن القدر كان بانتظارها في وسط طريقها إليه.

فاطمة تطلب أخاها والموت يطلبها
يمّمت السيدة فاطمة وجهها شطر قبلتها وهو إمامها قاطعة الصحاري والفيافي دون توقّف ما خلا الاستراحة, وهي تحمل في قلبها شوق النظر إلى الوجه المشرق للإمام، ولما وصلت إلى سامراء مرضت مرضاً شديداً بحيث لم تقدر على الاستمرار في المسير فسألت كم بيني وبين قم؟ قالوا عشرة فراسخ فأمرت خادمها بالتوجه إليها.

وهناك رواية أخرى تقول إنه لما وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها

ليطلبوا منها النزول في بلدة قم, فخرج من بينهم موسى بن خزرج

فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى قم وأنزلها في داره فمكثت فيها ستة عشر يوماً

ثم مضت إلى رحمة الله ورضوانه فدفنها موسى بن خزرج بعد التغسيل والتكفين في أرض له

وهي الأرض التي فيها، مدفنها وبنى على قبرها سقفاً من البواري إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلام

على القبر قبة(4).

* قبر فاطمة حرم آل محمد صلى الله عليه وآله
لم يُبنَ لأحد من أولاد وبنات الأئمة مقامات أضحت محلاً لأفئدة محبيهم كمقامي السيدة زينب في الشام ومقام المعصومة في مدينة قم المقدسة.

وقد روى صاحب كتاب تاريخ قم عن الحسن بن محمد القمي عن الصادق عليه السلام

قال: إن لله حرماً وهو مكة, ألا إن لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وأن لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي اسمها فاطمة(5).

* فضل زيارتها
روى الشيخ الصدوق عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن سعد القمي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: يا سعد عندكم لنا قبر, قلت له: جعلت فداك, قبر فاطمة بنت موسى؟ قال: نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة(6). وروي عن الصادق عليه السلام قال: تُقبض في قم امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى وتُدخل بشفاعتها شيعتي بأجمعهم(7). وقد ورد عن الرضا زيارة خاصة بها(8).

وبسبب قبرها الشريف أصبحت قم حرماً لآل بيت محمد صلى الله عليه وآله كما أسلفنا

وصارت بقعة مقدسة، وكانت لا زالت مهبطاً للعلم والعلماء, فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:

ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعَف في الدين حتى المخدرات في الجبال وذلك عند قرب ظهور قائمنا(9).

* كرامات
نقل علماؤنا قدست أسرارهم مجموعة كبيرة من الكرامات التي حصلت لبعض زوار السيدة المعصومة وهي بالعشرات ويمكن مراجعة الكتب التالية: غرر الفرائد, ومناقب آل أبي طالب, ودار السلام, وكريمة أهل البيت عليهم السلام والأزهار الأرجية.

وسأكتفي بنقل كرامة واحدة وهي ما نقله الميرزا موسى فراهاني عن مسؤول حراسة حرم السيدة المعصومة عليها السلام قال:

في ليلة من ليالي 1300هـ كنت أتولى فيها الحراسة فجيء بامرأة من كاشان مصابة بالشلل وقد رُبطت بالضريح وفي الساعة المقررة لإغلاق أبواب الحرم أغلقت الأبواب وكنت خارج الحرم أتولى الحراسة، وبعد منتصف الليل سمعت صوت المرأة وهي تقول لقد شفتني, ففتحت الباب ورأيت تلك المرأة السعيدة وقد شفيت فسألتها عن كيفية شفائها

فقالت: أصابني العطش الشديد وخجلت من أن أدق الباب وأطلب منك الماء ولذا نمت لعطشي, فرأيت في منامي أنها أعطتني قدحاً من الماء وقالت: اشربي هذا الماء وستجدين الشفاء فشربت الماء وانتبهت من النوم ولا أثر للعطش ولا للمرض(10)، والحمد لله رب العالمين.

(1) مستدرك سفينة البحار، الشاهروردي، ج8، ص428.
(2) كريمة أهل البيت عليهم السلام، ص493؛ الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام، ص428.
(3) بحار الأنوار، ج99، ص267.
(4) مستدرك سفينة البحار، ج8، ص261.
(5) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج10، ص368.
(6) بحار الأنوار، ج102، ص265.
(7) بحار الأنوار، ج60، ص216.
(8) بحار الأنوار، ج102، ص265.
(9) بحار الأنوار، ج57، ص213.
(10) كريمة أهل البيت عليهم السلام، ص253.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل