هل صحيح أنّ كلّ من اعتقد بالله تعالى فهو مؤمن وأنّ كلّ محبّ لعليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من شيعته؟
من وجهة نظر المعصومين عليهم السلام، كما ورد عنهم في الروايات، هناك صفات وأوصاف للشيعة الحقيقيّين.
قد نظنّ تارة أننا من الشيعة الحقيقيّين. ولكنّ التدقيق في صفات الشيعيّ الحقيقيّ في روايات وسيرة أهل البيت عليهم السلام يدفعنا إلى القول إننا لا نرى أثراً لذلك في أنفسنا. يخدع الشيطان الإنسان عن هذا الطريق ليبيّن سعادتنا وحسن عاقبتنا. إجمالاً، الشيعة الحقيقيّون ملتزمون بالصلاة في أول وقتها، مقيّدون بحفظ أسرار أهل البيت عليهم السلام ويواسون إخوانهم في الدين ويُحسنون إليهم.
*أهل النجاة والسعادة
الإيمان بالله من وجهة نظر الإسلام أساس كافّة القيم وشرطٌ في قبول أعمال الإنسان. وفي المقابل، فإنّ الكفر بالله والتكذيب بآياته أساس ما يعارض القيم، وهذا من ضرورات الإسلام. عندما نتحدّث حول عظمة وشرف الإيمان، قد يصاب من يظّن أنه مؤمن بالغرور. وعلى أثر وساوس الشيطان يظنّ أنه ليس في زمرة الكفار وأنه من أهل النجاة والسعادة، لأنّه مؤمن بالله تعالى. وعلى هذا المنوال، عندما يتطلّع الإنسان إلى الصفات القيّمة الأخرى: التقوى والتواضع والشكر… التي مدحها القرآن والروايات.
*الشيعيّ الظاهريّ والشيعيّ الحقيقيّ
يجب أن نرجع إلى تعاليم القرآن والروايات، لنبحث في أنفسنا عن الخصائص المذكورة للشخص المؤمن والشيعيّ. قد ندقّق في الروايات وسيرة أهل البيت عليهم السلام فنجد أننا لسنا من الشيعة الحقيقيّين وأنّنا ندّعي ذلك، لأنّ الشيطان قد خدعنا، مع العلم أنّنا عاجزون عن إثبات ذلك. وفي الحقيقة قد لا نجد في أنفسنا تلك الفضائل والصفات القيّمة التي تكون للشيعيّ الحقيقيّ.
سنحاول أن يكون لنا نصيب من صفات الشيعيّ الحقيقيّ. كما إنّ بإمكاننا أن نتعرّف إلى تعاليم أولئك العظام عليهم السلام.
في هذا الإطار، نقدّم أربع روايات وردت عن أهل البيت عليهم السلام حول صفات الشيعة من كتاب بحار الأنوار، نبدأ في هذا العدد بالرواية الأولى.
*الصفات الثلاث للشيعة الحقيقيّين
يقول الإمام الصادق عليه السلام في الرواية الأولى: “امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عند عدوّنا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها”(1).
1- الاهتمام بالصلاة أوّل وقتها
عدّد الإمام عليه السلام ثلاث صفات للشيعة، الأولى، أداء الصلاة أوّل وقتها باستمرار. بمعنى أن ننظّم برامجنا بحيث نتمكّن من أداء الصلاة أوّل وقتها. الأئمّة عليهم السلام يعتبرون أنّ الذين يشتغلون بالكسب والتجارة في بداية الصلاة أو الذين يتلهّون بالكلام والأحاديث أو مشاهدة التلفاز والأعمال الأخرى العبثيّة التي لا فائدة مهنا ثم يؤدّون الصلاة آخر وقتها، ليسوا من شيعتهم.
2- مسألة رعاية التقيّة
إنّ مسألة حفظ أسرار الأئمّة الأطهار عليهم السلام في ذاك الزمان، بالأخصّ في زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، هي مسألة حياتيّة وذات أهميّة خاصّة. لقد كان بنو أميّة يذهبون في معاداة أهل البيتعليهم السلام أبعد الحدود؛ وقد ارتكبوا فاجعة كربلاء والعديد من الجرائم الأخرى بعد كربلاء بحقّ أهل البيت عليهم السلام وافتُضحوا بين المسلمين. وفي النهاية استغلّ بنو العباس القضيّة فثاروا على بني أميّة تحت عنوان الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام، وتمكّنوا من جذب الشيعة إليهم، ولكن عندما استقرّت لهم الأمور أظهروا ماهيّتهم القذرة والحقيقيّة وارتكبوا بحقّ أهل البيت عليهم السلام ما لم يرتكبه بنو أميّة.
أ- التقيّة في زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام
واجه التشيّع في زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام خطراً حقيقيّاً، فكان في تدبير الأئمة عليهم السلام الإلهيّ، ووصيّتهم إلى الشيعة بالالتزام بالتقيّة، حفاظٌ على كيان الشيعة. عمل الشيعة في تلك المرحلة على رعاية التقيّة باعتبارها تكتيكاً وتدبيراً سياسيّاً هاماً والتزموا باعتقاداتهم الدينية وحاولوا عدم إظهار الاعتقادات التي تعرّضهم للخطر أمام أعداء أهل البيت عليهم السلام.
أمّا أهل البيت عليهم السلام فكان لهم تلامذة من الخواصّ وأصحاب مخفيّون يعلّمونهم المعارف والحقائق الشيعيّة الخالصة بشكل سرّي ويؤكّدون على إخفاء هذه الأسرار وعدم إفشائها، إلّا أنّ بعض الأصحاب كانوا لا يطيقون ذلك فيبوحون بها؛ لذلك كانوا يلحقون الضرر بأنفسهم وبأهل البيت عليهم السلام. في مرحلة الاضطراب التي عاشها الشيعة تحت سلطة الأعداء، حيث كان الانتساب للتشيّع جريمة كبرى تؤدّي إلى السجن والتعذيب وحتى القتل، كانت التقيّة وإخفاء أسرار أهل البيت عليهم السلام، يؤدّيان دوراً هاماً على مستوى الحفاظ على حياة الشيعة وبقاء خطّ التشيّع حتى اليوم.
يقول الإمام الصادق عليه السلام -بحسب الرواية المتقدّمة- إنّ إحدى صفات الشيعة حفظ أسرار أهل البيت عليهم السلام عن الأعداء. يعتبر الأئمة عليهم السلام أن من يفشي أسراراً تؤدّي إلى إهدار دم الشيعة وتهديدهم ليس من شيعتهم.
ب- حفظ أسرار أهل البيت عليهم السلام في زماننا
صحيح أنّ الخطر والتهديد اللذين كانا موجودين في زمان أهل البيت قد زالا اليوم، ولم يبقَ مجال للحديث عن التقيّة وإخفاء الأسرار، إلّا أنّه يجب الحفاظ على بعض أسرار أهل البيت عليهم السلام، كمراتب معرفة وإيمان أهل البيت عليهم السلام، عن الذين لا يتحمّلونها. قد يؤدي إفشاء بعض الأسرار إلى سوء تعليم الناس وإلى انحراف بعضهم وحصولهم على فَهم غير صحيح عن معارف أهل البيت عليهم السلام. وقد يؤدّي الأمر ببعضٍ منهم إلى الغلوّ بهم عليهم السلام. ينقل جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أتى أمير المؤمنين عليه السلام إليه ببشرى فتح خيبر قال: “لولا أن تقول فيك طوائفُ من أمّتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم قولاً لا تَمُرّ بملأ إلّا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فَضل طهورك يستشفوا به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وإنّك مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي”(2).
يتحدّث الإمام الصادق عليه السلام حول ضرورة كتمان بعض مقامات المعارف عن الآخرين، نقلاً عن آبائه عليهم السلام قال: “ذُكرت التقيّة يوماً عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال: والله لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما، فما ظنّكم بسائر الخلق؟ إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبيّ مرسل أو ملكٌ مقرّب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان”(3).
إنّ الأشخاص العاديين يفتقدون ظرفيّة إدراك الكثير من مقامات أهل البيت عليهم السلام ومعارفهم. وعلى هذا الأساس، يجب في هذا الزمان إخفاء بعض أسرار ومعارف أهل البيت عليهم السلام عن عموم الناس. نعم، كان الوضع في زمان أهل البيت عليهم السلام يتطلّب إخفاء المسائل ذات العلاقة بأصل الولاية والإمامة وفضائل أهل البيت عليهم السلام وإلّا لما أبقى أعداء الشيعة من أثر لهم.
3- مواساة الإخوة في الدين والإحسان إليهم
الصفة الثالثة للشيعيّ، مواساة الإخوة في الدين والإحسان إليهم، وبالأخصّ المحتاجين منهم. الشيعيّ الحقيقيّ هو الذي يعتبر الآخرين شركاء له في ماله، فإذا كانوا من أصحاب الحاجة وضع جزءاً منه بين أيديهم؛ وإذا كان الجيران والأقارب والأصدقاء بحاجة إليه بادر إلى رفع حاجتهم؛ فهو يعتبرهم شركاء في ماله ويسعى لرفع ما أصابهم. ويشير مضمون بعض الروايات إلى أنّ الشيعيّ الحقيقيّ هو الذي يقدّم الآخرين على نفسه وهو الذي يبادر إلى رفع احتياجات الآخرين قبل احتياجاته.
وللبحث صلة.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج65، ص149.
2- الأمالي، الصدوق، ص156.
3- الوافي، الكاشاني، ج3، ص644.