بعد أن صارت وسائل التواصل متوفّرة في يد مَنْ يشاء، وذاق الكثيرون لذّتها، استهان بعضهم بمخالفة القيم والأخلاق والآداب، وكثُرت المحرّمات والأفكار الهدّامة، والتشهير ونشر الشائعات، وانتهاك الخصوصيّات… وفي هذه المقالة ذكرٌ لبعض الأحكام الشرعيّة المرتبطة بهذه الوسائل.
1- الأمن والأمان:
يشرِّع الإسلام ما من شأنه نشر الأمن والأمان للفرد والمجتمع، ويزجر عمّا يزيلهما، فحرَّم الغيبة وإشاعة الفاحشة والانتقاص من الآخرين والبهتان والنميمة.
أ- الغيبة: يحرم نشر عيوب الآخرين وذنوبهم المستورة المخفيّة، سواء أكان العيب في الدين أم الدنيا، في الأقوال أم الأعمال، بل حتّى في اللّباس والبيت… فنشر كلّ عيب أو ذنب خفيّ لا يجوز وهو من الكبائر، بل إذا نشر هذا الأمر أشخاص آخرون فإنّها سُنّة سيّئة، على من نشرها أولاً وزرها ووزر من نشرها لاحقاً. والغيبة هي نشر أمور واقعيّة مستورة صحيحة.
وأمّا نشر ما يعدّ من الأمور الظاهرة غير المخفيّة إذا كان بقصد الانتقاص والذمّ والاستهزاء فهو من الكبائر أيضاً، فلا يجوز نشر ما يسبّب الانتقاص من الآخرين وهتكهم.
ب- إشاعة الفاحشة: لو قام مكلّف بالزنا، وكان متستّراً، فلا يجوز نشر هذه الفاحشة على الملأ، بل توجد ضوابط شرعيّة لتقديم دعوى إلى القضاء الشرعيّ.
بل لو رأى الرجل زوجته تفعل الزنا (والعياذ بالله) لا يجوز له التشهير بها، مع كونها قد فعلت فاحشة محرّمة ومن الكبائر، غير أنّ نشر الفاحشة حرام، ومن يريد معالجة الأمر فليراجع القاضي الشرعيّ ليعرف ماذا يفعل.
ج- البهتان: الغيبة ذكر عيبٍ واقعيّ مخفيّ، وأمّا البهتان فهو نقل كلام كاذب لا واقع له. ونشر البهتان حرام ومن الكبائر. فيكون الإخبار في الغيبة عن أمر صحيح واقعيّ صادق، وفي البهتان عن أمر كاذب، ونشر كلا الأمرين حرام، وهو خلاف التشريع الإسلاميّ الذي يريد المحافظة على حرمات الآخرين.
د- النميمة: النميمة هي نشر كلام صادق أو كاذب بقصد الفتنة بين شخصين أو أكثر، وكون الكلام صحيحاً في نفسه وواقعيّاً لا يبرّر نشره مع كونه يؤدّي إلى الفتنة، وهذا حرام ومن الكبائر.
هـ- نشر الخصوصيّات: لا يجوز نشر خصوصيّات الآخرين بدون إذنهم ورضاهم، ولا يجوز نشر المكلّف أموره الخاصّة إذا كانت تتضمّن نشر خصوصيّات الآخرين.
و- تعريض النفس للخطر: لا يجوز نشر ما فيه تعريض النفس أو الآخر للخطر.
ز- إثارة الشهوات: لا يجوز نشر الأفلام والكلمات الخليعة، كما لا يجوز نشر الصور والكلمات التي تسبّب إثارةً أو افتتاناً أو مفسدة. كما لا تجوز أيّ علاقة غير شرعيّة وغير أخلاقيّة.
ح- الاحتيال والابتزاز: لا يجوز نشر ما فيه احتيال وتزوير بقصد الابتزاز.
2- الرياء والعُجْب:
الرياء هو أن يقوم المكلّف بعبادة ليراه الناس. والعُجْب أن يقوم بعبادة لله، ولكنّه يفرح وينتابه العُجْب إذا مدحه الناس، أو علموا بعمله.
والرياء يُبطل العمل، بينما العُجْب لا يبطل العمل، ولكنّه يزيل الثواب. وعلى هذا فيجب الاجتناب عن نشر أيّ شيء، بقصد الرياء، من الأمور العباديّة التي يتقرَّب بها إلى الله تعالى، أو نشرها بقصد الحصول على المدح والثناء من الناس.
3- نقل الروايات والفتاوى:
يشترط لنقل الفتاوى أن يتأكّد المكلّف من الفتوى ومن مصدرها قبل نقلها، وإذا تبيّن له الخطأ فيجب حذفها وتصحيحها، وإبلاغ من قرأ الفتوى الخطأ بأنّها خطأ.
كما لا يجوز نسبة رواية إلى المعصوم قبل التأكّد منها ومن صحّتها. والطريقة المناسبة أن ينسب الرواية إلى مصدرها، ولا يؤكّد صدورها جزافاً.
4- الكذب:
لا يجوز نشر الأكاذيب، ولا تكذيب من يُعلم أنّه صادق. ونشر أقوال باسم الآخرين مع العلم بعدم رضاهم ومع ترتُّب المفسدة لا يجوز.
5- التفريق بين المسلمين:
إنّ كلّ قول يسبّب الفرقة والاختلاف بين المسلمين فهو حرام. ولا يجوز التهجّم والإساءة إلى رموز المذاهب الأخرى، بل ولا يجوز كلّ ما يساهم في الفرقة، بل علينا تعزيز ما يساهم في التقريب بين المسلمين. وإيجاد خلافات مذهبيّة بين جماعات المسلمين خطر كبير، فإذا استطاع الأعداء إشعال نيران الخلافات الطائفيّة في مكان ما فإنّ إخمادها من أصعب المهمّات، فيجب الحؤول دون ذلك، ودون نشر ما يساهم في ذلك.
كلمة أخيرة:
وسائل التواصل فرصةٌ سانحة لطرح الإسلام عقيدةً وفكراً وشريعةً، ومنبرٌ للدفاع عن الإسلام، وتبيان الوجه الحقيقيّ للإسلام الصحيح، فكونوا على قدر المسؤوليّة.