الخمس
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾1.
الخمس ضريبة ماليّة فرضها الله تعالى في أموال الأغنياء، وجعل مال الخمس على سهمين سهم منها يسمّى سهم الإمام المعصوم، أي الحجة ابن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، والسهم الآخر سهم السادة، أي أنه لمن ينتسب لبني هاشم من الفقراء 2.
فلا بدّ للإنسان إذا أراد أن يتصرّف في مال الخمس من استئذان ولي أمر المسلمين سواء في ذلك سهم الإمام أو سهم السادة 3.
لا يجوز التصرّف في المال الذي يجب فيه الخمس، لأن جزءاً من هذا المال، وهو مقدار الخمس، ليس ملكاً له، بل إن عليه ضمان مقدار الخمس لو تصرف فيه إلا أن يستأذن من الحاكم الشرعي أو وكيله.
ونتيجة لهذا الحكم تتولد العديد من الصور:
الوالد لا يخمّس
يعاني بعض الشباب من مشكلة تتمثّل في أنهم يعيشون مع آباء لا يلتزمون بأداء الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة وهنا نحن أمام حالات هي:
الأولى: أن لا يتيقّن مثل هذا الشخص بوجوب الخمس في ذمّة والده وهنا يجوز له التصرف، ولا يجب عليه البحث والتحقيق في الأمر.
الثانية: أن يتيقّن بوجوب الخمس على والده، وكان بإمكانه اجتناب التصرّف في مثل هذا، دون أن يسبب ذلك أي حرج عليه فهنا يجب عليه الاجتناب.
الثالثة: أن يتيقّن بوجوب الخمس على والده، ولم يكن بإمكانه اجتناب التصرّف، بل كان ذلك حرجاً عليه، فهنا يجوز له التصرف ولكنّ عليه ضمان مقدار الخمس ممّا يصرفه من أموال.
المعاملة مع من لا يخمّس
المعاملة مع التاجر الذي لا يؤدّي الخمس جائزة إذا لم يتيقّن وجود مال وجب فيه الخمس ولم يخمَّس، وإلا فإذا علم يقيناً بوجود مال غير مخمس لم يجز له التصرّف، إلا أن يكون في ترك التصرّف حرج عليه فيجوز التصرف مع ضمان حق الفقراء.
التبرع
لو تبرع الشخص بمال تعلّق فيه الخمس لم يصحّ التصرف بمقدار الخمس، ولذا يجب الرجوع بمقدار الخمس إلى وليّ أمر الخمس أو وكيله.
الشراء بمال غير مخمّس
إذا اشترى أرضاً أو بيتاً بمالٍ غير مخمَّس وقد وجب فيه الخمس، كان مقدار الخمس متوقّفاً على إجازة وليّ أمر الخمس، فما لم تتحقّق الإجازة لم تجز الصلاة فيه.
لا يجوز دفع الخمس إلى الفقراء الذين تجب على الشخص نفقتهم، فلا يجوز لمن عليه الخمس أن يدفع الخمس لوالديه أو أولاده أو زوجته ما دام يملك من المال ما يتمكّن به من الإنفاق عليهم 4، نعم يجوز للولد أن يعطي الخمس لوالده لينفق على زوجته إذا لم تكن أمّاً للمخمّس، وذلك بإذن الوليّ أو وكيله.
مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم إعطاء الفقير ما يزيد على مؤونة سنته 5.
لو وصل إلى الشخص مال الخمس ليصرفه في مصارفه، وكان هو من مصاديق المستحقين جاز له التصرف به.
الزكاة
وهي ضريبة ماليّة فرضها الله عز وجل على أصناف خاصّة من الأموال، وجعل ما يحصل منها للفقراء وقسّمها على سهام متعدّدة، والزكاة كما الخمس من العبادات، أي ممّا لا بد فيها من نية القربة لله سبحانه وتعالى.
من أحكام مال الزكاة
لا يجوز دفع الزكاة للأفراد الذين تجب عليه نفقتهم كالزوجة والأولاد والأبوين، هذا إذا أراد أن يعطيهم المال بعنوان الفقر، وأمّا لو كان ذلك بعنوان آخر، كعنوان في سبيل الله، كما لو أراد الأب أن يقدم الزكاة لولده الذي هو من طلبة العلوم جاز ذلك 6.
لا يجوز لغير الهاشمي دفع الزكاة للهاشمي. والهاشمي هو كل من ينتسب إلى هاشم جدّ النبي ص ، فيشمل أولاد عبد المطّلب جميعاً من بني العباس وأبي طالب 7.
الأفضل دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة، وإن كان ذلك غير واجب، نعم لو أصدر الفقيه حكماً بالدفع إليه لوجود مصلحة للإسلام أو المسلمين في ذلك وجب ذلك 8.
لو أتلف شخص ما مال الزكاة فهو له ضامن، سواء كان المتلف هو المالك أو غيره.
يجوز نقل الزكاة من بلده إلى بلد آخر، ولكنّ مؤونة النقل تكون على نفقة الناقل، لا من مال الزكاة، فإذا نقل المال الزكوي عبر حوالة بنكيّة فما يأخذه البنك على ذلك لا يكون من مال الزكاة، بل من مال من أمر بالحوالة 9.
لو دفع شخص لشخص آخر الزكاة ليصرفها في مصرفها، وكان ذلك الشخص من مصارفها جاز له تملّكها 10.
من كان عليه الزكاة وقرب منه الموت وجب عليه أن يوصي بدفعها من تركته، ويجب على ورثته أو وصيّه إخراج الزكاة، لأنها تكون كسائر ديونه 11.
لو دفع الزكاة إلى شخص، بناءً على أنه يستحق الزكاة، فبان أنه غير مستحق له، كان للدافع استرجاعها، ولو تلفت كان ضامنا للمال الزكوي.
إذا عزل الشخص مقدار الزكاة جاز له التصرف ببقيّة المال الموجود عنده، وكذلك إذا أخرج الزكاة من مال آخر عنده.
زكاة الفطرة
وهي المسماة بزكاة الأبدان، وهي التي تجب في عيد الفطر على كلّ مسلم.
من أحكام زكاة الفطرة:
– لا يجوز لغير الهاشمي أن يدفع الزكاة للهاشمي.
– لا بدّ في هذه الزكاة من نيّة القربة.
– لا يجوز نقل زكاة الفطرة إلى بلد آخر بعد عزلها إذا وجد المستحقّ في ذلك البلد.
– يجوز للإنسان دفع الزكاة إلى المستحقّ مباشرة، ولا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.
– المستحقّ لزكاة الفطرة هو المستحقّ لزكاة المال، والأفضل دفعها لفقراء المؤمنين، نعم لا تعتبر العدالة في مصرف زكاة الفطرة.
– لا يجوز دفع زكاة الفطرة إلى من يصرفها في المعصية 12.
مجهول المالك
كلّ مال يعلم أنّ له صاحب، ولكن لا يعلم صاحبه بعينه، ولا يمكن معرفته والوصول إليه يجري عليه حكم مجهول المالك.
– حكم مجهول المالك أنّه يجب التصدّق به مع الاستئذان من الحاكم الشرعي.
وأمثلة مجهول المالك كثيرة:
منها: الحيوان الذي يدخل دار الإنسان ولا يعلم صاحبه.
منها: لو اشترى شخص شيئاً من أحد، ثمّ علم أنّه إنّما كان بيد ذلك الشخص ظلماً وعدواناً، أي أنّه كان مالاً مغصوباً ولم يعرف صاحبه الذي غصب منه.
ومنها مال اليانصيب واللوتو.
حكم اليانصيب واللوتو
لا تجوز المعاملة باليانصيب واللوتو ونحوهما، وهما عبارة عن بطاقات تبيعها شركة أو دولة بثمن، وتحمل أرقاماً ثمّ تجرى عمليّة سحب لرقم يكون رابحاً لجائزة عن طريق القرعة أو أساليب السحب الأخرى.
كما لا يجوز للفائز بالقرعة أن يستلم الجائزة.
يقول الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى: لا يصحّ بيع وشراء بطاقات اليانصيب، ولا يملك الفائز الجائزة، ولا يحق له استلامها 13.
قد يتصور البعض أن رابح الجائزة يدفع الخمس منها ويحل الباقي له وتنتهي المسألة عند هذا الحد، إلا أن المسألة ليست كذلك فإن مال اللوتو واليانصيب يعتبر كمال القمار، فلا يجوز أخذه أصلاً، يقول الإمام الخامنئي دام ظله في أحد الاستفتاءات: لا ماليَّة لمثل أوراق سحب اليانصيب وإنّما هي وسيلة لمن ينشرها ويبيعها لأخذ الأموال ممن يشتريه، كما أنها وسيلة لمن يشتريها للحصول على جائزته، فهي كوسيلة للقمار، فلا يجوز بيعها ولا شراؤه، ولا تحل الجائزة التي يحصل حامل الورقة عليها 14.
قد تقوم بعض الشركات الخيريّة بأخذ التبرّعات للقيام بأعمال إنسانيّة كرعاية الأيتام، وتحسين المناطق المحرومة، وتعطي في المقابل بطاقات تحمل أرقاماً يجري سحب أحدها بالقرعة والفوز بمبلغ مالي، تشجيعاً للأعمال الخيريّة، ففي هذه الحالة هل يجوز هذا العمل؟ وما حكم المال الذي يفوز به أحد المتبرّعين؟
في هذه الحالة فإن العمل بأساسه مشروع ولكن الشرط الأساسي فيه أن يكون بقصد تشجيع التبرع في سبيل الله، يقول الإمام الخامنئي دام ظله: لا بأس بنشر أوراق طلب التبرّع للأمور الخيريّة، ويجوز تشجيع المتبرّعين وتحريضهم وحثهم على التبرع بالوعد على إعطاء الجائزة لمن خرجت القرعة باسمه، بشرط أن يكون قصد المتبرعين هو المشاركة في أعمال الخير 15.
* الاماكن والاموال العامة، سلسلة الفقه الموضوعي، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الأنفال:41
2- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 334
3- السيد الخامنئي – علي – أجوبة الاستفتاءات – دار النبأ للنشر – الطبعة الأولى –ج1 ص 300 – طبعة الدار الإسلامية
4- السيد الخامنئي – علي – أجوبة الاستفتاءات – دار النبأ للنشر – الطبعة الأولى –ج1 ص 304
5- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 335
6- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 310
7- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 311
8- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 313
9- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 314
10- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 315
11- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 314
12- الخميني – روح الله الموسوي – تحرير الوسيلة – دار الكتب العلمية – اسماعيليان – قم – ج1 ص 320
13- السيد الخامنئي – علي – أجوبة الاستفتاءات – دار النبأ للنشر – الطبعة الأولى – طبعة الدار الإسلامية – ج 2 ص 54
14- السيد الخامنئي – علي – أجوبة الاستفتاءات – دار النبأ للنشر – الطبعة الأولى – طبعة الدار الإسلامية – ج 2 ص 55
15- السيد الخامنئي – علي – أجوبة الاستفتاءات – دار النبأ للنشر – الطبعة الأولى – طبعة الدار الإسلامية – ج 2 ص 55