الإمام الخامنئي دام ظله
إنّ الشّعر مرآة أحاسيس الشاعر، وهو ينبغي أن يكون في خدمة القِيَم. فللشاعر الحقّ في أن يعبّر عن مشاعره وأحاسيسه الشاعرية وإدراكاته ويصبّها في قالب الأشعار التي وهبه الله قريحة إنشائها، ويعرضها للنّاس. فالشعر كفنٍّ رفيعٍ وسامٍ وكنعمةٍ إلهيّةٍ كبرى له مسؤولية ووظيفة. فبالإضافة إلى إظهار الأحاسيس، هناك مسؤولية ملقاة على الشعر. وبرأيي إنّ تلك المسؤولية هي أن يكون (الشعر) في خدمة الدين والثورة والأخلاق والمعرفة. فلو أنّ الشعر أدّى هذه المسؤولية يكون قد أدّى حقه؛ أي قد أدّى عملاً بحقٍّ وبعدلٍ.
*وظيفة الشعر كـ”فنّ”
انظروا، يجب تشخيص وظيفة الشعر كفنٍّ، ووظيفة الشاعر كفنّان تجاه الخلق، وتجاه الرّب المتعال، وتجاه الالتزام الإسلامي والثوري والقيام بهذه الوظيفة. وهي عبارة عن سَوْق عباد الله إلى الله، واستنهاض الأخلاق والمعرفة والارتقاء بهما في المجتمع. بالطبع للشعر وظائف أخرى ولكنّ الأساس هو هذا.
يجب أن تلاحظ عدة أمور في الشعر، منها: أن نتمكّن من خلاله من خدمة معرفة النّاس، خدمة دينهم وأخلاقهم، وخدمة الحركة الثورية لشعبنا، والتي هي ظاهرة فائقة الأهميّة والقيمة ونادرة الحصول.
*القيم الأخلاقية والثورية: بيتٌ واحدٌ يكفي
بالطبع إنّني أؤكّد على الشّعر الغزلي، لأنّ مثل هذا النوع هو أكثر أنواع الشعر تأثيراً، لهذا فإنّه من الأفضل أن تكون مثل هذه المفاهيم التي نريد أن ننشرها في المجتمع من خلال الشعر، في قالب الغزل. فلو أنّكم خصّصتم في قصيدةٍ غزليّةٍ تبلغ سبعة أو ثمانية أبيات، بيتاً واحداً ذا مضمون ثوريّ أو أخلاقيّ أو عرفانيّ فإنّ هذا الغزل سيكون غزلاً ثوريّاً، وسيكون أخلاقيّاً أيضاً ويفعل فعله. فلو أنّ أستاذاً في الرياضيّات تفرّد أثناء الدّرس بذكر كلمةٍ عن التوحيد أو الخلق أو عصمة الأنبياء عليهم السلام فإنّني أتصوّر أنّه سيكون أكثر تأثيراً من حصّةٍ كاملةٍ لأستاذ المعارف الدينية. وهذا هو المطلوب في الشعر الغزليّ. ففي قصائدكم الغزليّة، اذكروا مشاعركم وأحاسيسكم وعواطفكم وكلّ ما لديكم من عشق وحماس في أبياتكم، ولكن خصصوا في هذه القصائد، التي قد تبلغ سبعة أو ثمانية أبيات، بيتين للمضمون الإسلاميّ الأصيل والثوريّ والأخلاقي، فهذه نقطةٌ مهمّة جداً.
*أركان الشعر: اللفظ، المضمون والمشاعر
وتوجد نقطةٌ أخرى، وهي أنّ الغزل يعتمد في الحقيقة على ثلاثة أركان: اللفظ والمضمون [المحتوى] والمشاعر. ولا ينبغي أن يُبتلى أيّ واحدٍ منها بالضعف. فعليكم أن تجعلوا القصائد الغزليّة والشعر بشكل عام، وإن كان مورد بحثنا الآن هو الغزل، بلحاظ اللفظ صحيحاً ومحكماً، وأن يكون نظم الألفاظ محكماً ومتيناً؛ وأن يكون فيه رقّة أيضاً. فهذا فنٌّ، والتفنّن في الشعر يكمن في هذه الأمور.
*مضمون الشعر
المضمون أيضاً مقولةٌ مهمّةٌ ولا يمكن أن يتمّ ويكتمل في أيّ وقتٍ. فهو في الواقع أمرٌ لا ينتهي؛ لأنّ ذهن الإنسان ليس له حدٌّ. نحن أحياناً نكسل ونتمسّك بالمضامين التي قالها الآخرون ونكرّرها بعينها، وقد يشاهد المرء أحياناً مضامين حديثة جدّاً لا سابقة لها في أشعار الشباب، وهذا فائق الأهميّة أيضاً. لهذا، عليكم أن تسعَوا وراء صناعة المضمون الذي يمكن صياغته من متن الحياة. في الماضي مثلاً، كان الشعراء يتغنّون بالشمع، وجعلوه محور المئات من مضمون أشعارهم، وأنتم يمكنكم اليوم بالتفكير والتأمّل أن تجعلوا المصباح الكهربائي مثلاً، محور مضامين أخرى. وبالطبع، إنّ للإلهام الباطني والانبعاث الذهني دوراً هاماً جداً.
أما فيما يتعلق بالركن الثالث، الإحساس والشعور، ففي الغزل عامل الإحساس مهم جدّاً. وهو ما يطلقون عليه اسم الحب، لكنّه تارةً يكون عشقاً، وتارةً يكون مناقضاً للعشق؛ كالغضب على سبيل الفرض، ولكنّه، في النهاية، إحساسٌ. فالغزل لا يمكن أن يكون دون إحساس. لذا، أرى أنّ على الشعراء رعاية هذه الجهات الثلاث. وعندها ستكون المفاهيم أيضاً في خدمة هذه العناصر الثلاثة الأساس، أي الثورة والأخلاق والمعرفة.
*لا حيادية في معركة الحق والباطل
اليوم، ترون كيف أنّ جبهة الاستكبار قد وقفت بكلّ إمكاناتها، وإعلامها، وقدراتها التنظيمية السياسية بوجه الشعب. وهذا يستدعي الثبات والاستقامة والمقاومة، ويستدعي الدفاع. وهذه أمور يجب أن تنعكس في الشعر. إنّني لا أقول عليكم أنْ تؤلّفوا قصيدةً من خمسين بيتاً بشأن هذه القضية أو تلك. كلا، لتبيّنوا هذه القضية في بيت واحد من قصيدتكم التي قد تبلغ سبعة أو ثمانية أبيات أو بيتين. هذه أمورٌ ضروريّة، فلا يصح أن يبقى الإنسان حيادياً، ففي النهاية، يجب اتّخاذ موقفٍ في معركة الحقّ والباطل.
وقضية الأخلاق هي من هذا القبيل. أما الالتزام والعبثية فهما قضيّةٌ أخرى، ذلك أنّ بعض الناس لا يحبّون الالتزام الثوريّ والدينيّ فتراهم يدعون إلى الهذيان واللامبالاة تجاه القضايا المهمة. إنّهم يرفضون الالتزام بالدين والثورة والأخلاق، ولا يمانعون الالتزام بالأجنبيّ. الالتزام بالدين والأخلاق والمعرفة وقضايا البلد والثورة يُعدّ بالنسبة لهم أمراً سلبياً يسعون للفرار منه، لهذا فإنّهم يتجهون نحو العبثيّة ويدعون إليها. ففي قبال هذا الوضع يجب اتّخاذ الموقف المناسب للوقوف في مواجهة التهديد المحدق بالدين والثقافة والأخلاق الاجتماعية.
*أنفقوا من ذخائركم الفنيّة
لقد سمعت بيتاً غزلياً جميلاً يقول: يا يوسف! لا تفرح عندما تخرج من البئر، فهم سيأخذونك إلى السجن.
التفتوا جيداً إلى الخطوط وحافظوا على الحدود. إنكم تمثّلون جبهةً عظيمة تدافعون فيها عن الحقّ والمعنويّات، وأنتم تنفقون في هذا الطريق، وإنفاقكم هو ذخائركم الفنّيّة، وبعضكم يقول إنه مستعدّ أن يبذل النفس في هذا السبيل. فالتفتوا جيّداً إلى أنّ الاستقامة والثبات هما في هذه الجبهة، وإن شاء الله ستصلون إلى ما تأملون. أملنا أن يحفظكم الله تعالى جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء الشعراء في ذكرى ولادة الإمام الحسن عليه السلام في 4/8/2012.