Search
Close this search box.

ما هي الآثار الدنيويَّة للجهاد في سبيل الله؟

ما هي الآثار الدنيويَّة للجهاد في سبيل الله؟

للجهاد في سبيل الله آثار دنيوية عظيمة وكثيرة، وسنستعرض بعضاً منها هنا:

1- العزّة والرفعة:
ترتبط حياة المجتمع بحياة أفراده. فالمجتمع الذي يتواجد فيه أشخاصٌ مجاهدون بفعاليةٍ، يبقى في حالةٍ دائمةٍ من النشاطِ والتقدُّم السَّريع، ويحافظ على دوامه واستمراريّته. ولكنّ المجتمع الذي يحوي أفراداً ضعافاً وخاملين وبلا تأثير، هو مجتمعٌ ميّتٌ وفاشل.

ومن هنا، يُعدُّ حفظ المجتمع عزيزاً ومنيعاً من أفضل آثار الجهاد بنظر الإسلام العزيز، حيث يكونُ الجميع فيه مستعدين للدفاع عن الدين الإلهيّ وعن المظلومين وعن مشروع العدالة، وإلحاق الهزيمة بالعدوّ في الفرصة المناسبة؛ لإبطال كيده وإضعافه أو القضاء عليه.

إنّ فضل الجهاد كبيرٌ من هذه الجهة، وطالما يحافظ المجتمع على روحيته هذه فلن يبتلى بالذلّ أبداً، ويبقى دائراً بين إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة. وقد بيّن القرآن الكريم المنشأ لصيانة المجتمعات الإيمانية في أمره لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاد، قال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾[1].

إنّ تاريخ صدر الإسلام هو خير شاهد على هذا المدّعى. فإلى الزَّمن الذي تمسّك فيه المسلمون بالجهاد، وحافظوا على كون زمام المبادرة بالهجوم في أيديهم ضمن الشرائط العامَّة، كانوا يعيشون مكلّلين بالنصر والعزّة. وإنّ تاريخنا المعاصر الذي تخطّه المقاومة الإسلامية في لبنان لهو شاهد قويّ على هذه العزّة والرفعة أيضاً. فبعد سنوات طويلة ومديدة من الاستضعاف انقلبت المعادلة وصارت قوّة هذه الثلّة المستضعفة في الأرض بحجم أمّة كبيرة مترامية الأطراف، بفضل الجهاد والتضحية والإيثار في سبيل الدين ونصرة المستضعفين.

كما أنَّ العزّة والرفعة اللذين يحدثان من أثر الجهاد يمتدُّ أثرهما أحياناً إلى الأجيال اللاحقة، ولا يقتصران على الجيل الحاضر. وعلى هذا الصعيد، يقول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “أُغزوا تُورِّثوا أبناءكم مجداً”[2].

2- تقوية روح المبادرة والعزيمة:
إنَّ حصول الحرب وما ينتج عنها من مشكلاتٍ يدفع الناسَ إلى التحرّك، فتصير سبباً لاهتمام الجميع بالسُّبل الآيلة إلى صدِّ العدوّ.

إنّ الحرب تمنعُ أكثر أفراد المجتمع من الخوض في الأمور الجزئية وغير المفيدة، وتبدّل روحيّة حبِّ الاسترخاء والرفاه إلى روحيّة السعي والجدّ وارتفاع المعنويات القتالية. ومن المعلوم أنَّ الجهود والقدرات العسكرية تعدُّ أيضاً من أفضل الآثار التي تنشأ على أثر تحرّك قوى العدوّ.

وفي سياق بيان أنّ الحرب تخرج الناس من حالة الخمود وتجبرهم على التحرّك، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “تعدّ الحرب أمراً جيداً من بعض النواحي، وذلك أنّها تُبرِز الشجاعة الموجودة في داخل الإنسان، وتؤدّي إلى تحريكه وإخراجه من حالة الخمود… فإنّ قوى الإنسان تتّجه دائماً نحو الخمود، وأولئك الذين يعتادون على الرخاء والرفاهية خصوصاً، سيكون حالهم أسوأ، ولكن عندما تقع حرب ما وتتجلّى خلالها الملاحم، ولا يبقى إلاّ صوت المدافع، فكلُّ ذلك يُخرج الإنسان من حالة الخمود والضعف، فتظهر حقيقة الإنسان وتبرز فعاليته وطاقاته إلى العلن”[3].

3- تقوية روح الاكتفاء الذاتي:
إنّ الحربَ تؤدِّي إلى إيجاد صعوبات جمّة، وإلى وقوع المجاهدين تحت وطأة الحصار. وهذه الضغوط نفسُها تدفع بالشعب إلى قطع يد الاعتماد على الأجانب، والاعتماد على النفس في المقابل.

فعامل الاعتماد على النفس والسعي لأجل رفع الاحتياجات عن طريقه، يؤدّي إلى نموّ الأدمغة ونضجها، ولهذا السبب قال إمام الأمة قدس سره: “لقد كانت هذه الحرب وهذا الحصار الاقتصاديّ وإخراج الخبراء الأجانب هدية إلهية كنّا غافلين عنها. واليوم، مع توجّه الحكومة والجيش لحظر بضائع ناهبي العالم، وللسير في طريق الابتكار بكلّ جدٍّ ونشاط، فإنّ الأمل معقود على حصول البلد على الاكتفاء الذاتي، والنجاة من الفقر والتبعية للأعداء. ولقد رأينا بأمّ العين كيف أنّ كثيراً من المصانع والوسائل المتطوّرة – كالطائرات وغيرها من الوسائل – والتي لم يكن يُتصوّر أن يتمكّن المتخصّصون الإيرانيون من تشغيلها، في وقت كان الجميع قد مدّوا أيديهم إلى الغرب أو الشرق من أجل أن يدير متخصّصوهم هذه المصانع والوسائل. ورأينا كيف أنّه وعلى أثر الحصار الاقتصاديّ والحرب المفروضة، قام شبابنا أنفسُهم بصنع قطع الغيار الضرورية وبقيمة أقلّ من المعروض، وسدّوا باب الحاجة، وأثبتوا أنّنا إن عزمنا فنحن قادرون على القيام بكلّ شيء”[4].

4- فصل الحقّ عن الباطل:
من الآثار الأخرى المهمّة للجهاد، فصل خطّ النفاق عن المجتمع الإسلاميّ ومعرفة الصديق من العدوّ. ففي كلِّ مجتمع يعيش المؤمنون الخُلّص جنباً إلى جنب مع ضعاف الإيمان والمنافقين من الناس، ومن الصَّعب جداً في زمن السِّلم والصُّلح تمييز هذه الفئات، إذ كثيراً ما يُظهر المنافقون وضعاف الإيمان أنفسهم بصورة المدافعين عن الحقّ أكثر من المؤمنين الحقيقيين. ولكن في الشدائد، وخاصّة في أوقات الحرب والجهاد، تُعرف معادن الرجال وتمتاز صفوف الحقّ عن الباطل، فيبقى المؤمنون الحقيقيون، الصابرون والأوفياء في الساحة حتّى النهاية، في الوقت الذي يُخلي الآخرون الميدان ويفرّون.

ولقد أشار القرآن المجيد إلى هذه الحقيقة بشكلٍ متكرِّرٍ، وبيَّن أنّ اللهَ أراد أن يمتاز الخُلّص عن غير الخُلّص في ساحة الحرب ضمن قاعدة الأسباب والمسبّبات: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾[5].

وفي آية أخرى، ولأجل توبيخ المنافقين، يخاطب تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾[6], ومعنى الآية، أنّه قد عفا الله عنك “وهو دعاء له بالعفو” لم أذنت لهم في التخلّف والقعود؟ ولو شئت لم تأذن لهم وكانوا أحقّ به، حتّى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين، فيتميّز عندك كذبهم ونفاقهم “لو خرجوا معك إلى الحرب”، والآية في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم وأنّهم مفتضحون بأدنى امتحان[7].

5- الوحدة والتماسك:
إنّ الشَّعب الذي يكون مُبتَلىً في أيام الصُّلح والهدوء بالمشاكل الداخلية، ومشغولاً بالاختلافات الجزئية، يتوحّد على أثر اشتعال الحرب وظهور العدوّ، ويحوّل كلّ طاقاته نحو المواجهة. فإنّ الحرب تقود جميع الطاقات والقوى في اتجاه واحد، وتجعلها تنضوي تحت راية واحدة، وتوجِدُ روح التعاون فيما بينها، وتصير سبباً في بروز الإيثار والتسامح وعشرات الصفات الأخلاقية السامية، والله تعالى أشار إلى هذه الحقيقة بوضوح في كتابه المكرَّمِ عندما قال: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[8].

6- النصر:
يُعدّ الانتصار على العدو، في بعض الموارد، أحد أفضل آثار الجهاد، لأنّه مع عدم بذل الجهد في ساحة الحرب لا يتحقّق الانتصار، والشعب الذي قد جلس منتظراً النصر دون تحمّل العناء وتقديم الجهود، لن يقطف سوى الحسرة جرّاء ذلك ويعيش الهوان والذلّ.

والقرآن المجيد، بعد تعداد الآثار المعنوية والأخروية للجهاد، يشير في سورة الصف المباركة إلى هذا الأثر الدنيويّ، حيث يقول تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[9].
وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّ المجاهدين في سبيل الله منتصرون وأعزاء حتماً، سواء عن طريق الانتصار الظاهريّ وهزيمة العدوّ، أم بنيل الشهادة والوصول إلى جوار رحمة الحقّ سبحانه، حيث قد أثنى القرآن الكريم على هاتين النتيجتين: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾[10].

التربية الجهادية – بتصرّف، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة النساء، الآية 84.
[2] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 15، ص 15.
[3] بلاغ، سخنان موضوعى إمام خميني قدس سره، ج 3، ص 272.
[4] بلاغ، سخنان موضوعى إمام خميني قدس سره، ج 3، ص 454.
[5] سورة محمد ، الآية 31.
[6] سورة التوبة، الآية 43.
[7] العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران ـ قم، 1417هـ.، ط 5، ج 9، ص 284-285.
[8] سورة آل عمران، الآية 103.
[9] سورة الصف، الآية 13.
[10] سورة التوبة، الآية 52.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل