الكاتب : أحمد سالم إسماعيل
عندما نقرأُ القُرآن الكريم ننظرُ في كلماتِهِ وكيفيّةِ كِتابَتِها، فَنَرى كثيراً مِنَ الكَلِماتِ كُتِبَتْ بِكَيفيّةٍ لا تُوافِقُ النّطقَ الصّوتي لهذه الكلمات.
مثلاً: كُتِبَتْ (هؤلاء) هكذا مع أنّا تُنطقُ (هاؤُلاءِ)، وكلمة (أولئك) كذلك تُنطقُ (أُلائِكَ). ومثلُ هذه الكلمات كلمةُ (الصّلاة)، فإنّها مكتوبةٌ في المُصحف (الصّلوة).
وعندما ننظرُ في الوجهين (الصّلاة، الصّلوة)، نلحظُ أنّ مَوضِعَ الِاستِبدالِ هُو مَوضِعُ الأَلِفِ والواوِ، وهذا غَريبٌ أنْ يَتَساوى صَوتُ (الألف) مع صوت (الواو)، فكيف يمكننا أنْ نفهم هذه الحالة؟
نرجعُ إلى العُلماء الّذين بَحَثُوا في هذا الشّأن، ونرى أنّهم يتناولون هذا الموضوعَ في مَبحَثِ (تعليل ظَواهِر رَسمِ المُصحَفِ)، فنجد أنّهم ذكروا تعليلات لكتابة (الصّلوة) بهذه الكيفيّة، نذكر منها:
1. كتبوا (الواو) بدل (الألف)؛ لأنّ هذه الألف نُطِقَتْ بالتّفخيم كما عند أهل الحجاز، يعني نُطِقَتْ بصوت حرف /O/ باللُغة الإنجليزيّة، يعني: يكون صوت الألف مثل صوت (الواو) عندما ننادي أمّهاتنا بــ(يوم) باللهجة الدّارجة. وقيل إنّ أهل الحجاز كانوا ينطقون الألف هكذا.
2. كتبوا (الواو) بدل (الألف) في كلمة (الصّلوة) على الأصل؛ لأنّ أصل الألف في (الصّلاة) هو (واو). وقاعدتُها في النّحو أنّ الواوَ إذا تحرّكت وانفتح الحرفُ الّذي قبلَها تنقلبُ ألفاً. مثل (قالَ) أصلُهُ: (قَوَلَ)، فتحرّكت الواو، وانفتحت القاف قبلها فتنقلبُ الواوُ ألفاً، فصارتْ (قالَ)، ومثلها الفعل الماضي للصلاة، فإنّ أصل (صَلَّى) هو (صَلَّوَ)، فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت الواوُ أَلِفاً فصارت (صَلَّى).
بعد أن عرفنا السّببين المتقدّمين نذكر أنّ من العلماء من ذكر هذين السّببين تعليلاً واحداً لكتابة (الصّلاة) بالواو (الصّلوة)، فقال: كُتبت هكذا على لُغة مَن يُفَخِّمُ الألفَ التّي أصلُها واوٌ.
ولعلّنا نسألُ كيف يمكن تفخيم الألف في كلمة (الصّلاة)؟ وهل للحرف الّذي يسبقه (اللم) أثرٌ في ذلك؟ ففي الجواب عليه نقول: يمكن أن يكون الألف مفخّماً بسبب تفخيم اللام، ونحن في لهجتنا الدّارجة نسمعُ بعضَ النّاسِ يَنطِقونَ اللامَ مُفخّمةً ويَتْبَعُها الألف مُفَخّماً كذلك، وكان هذا النّطقُ قديماً، ورُوِيَ في طريقٍ من طُرُقِ رِوايةِ وَرشٍ (ت 197هـ) الّذي روى القراءةَ عن نافع المدنيّ (ت 169هـ) أحد القُرّاء السّبعة الّذين اختارهم ابنُ مُجاهِدٍ (ت 324هـ)؛ على أنَّ قِراءَاتِهِم هِيَ أشهرُ مِن غَيرِها في زَمانِهِ.
3. قيل إنّهم كتبوا (الصّلوة) هكذا وفقاً لإملاء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وهذا ما ذكره ابنُ أبي داوود السّجستانيّ (المُتوفّى 316 هـ)، قال: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ نُسْخَةِ كِتَابِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ: وَأَمْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فِيهِ: كَانَ (ك و ن)، وَحَتَّى (ح ت ا)، مِثْلُ (الصَّلَوةِ) بِوَاوٍ، وَ(الزَّكَوةِ) بِوَاوٍ، وَ(الْحَيَوةِ) بِوَاوٍ».
4. كتبوا (الصّلوة) بالواو بدلاً من الألف؛ لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الكتابةَ من أهل الحيرة، وكانت كتابة أهل الحيرة هكذا، ولعلّ الكتابة عند أهل الحيرة كانت موافقةً لما ينطقون، ويختلف أهل الحجاز عنهم في نطق بعض الأصوات، فعندما تعلّموا الكتابة من أهل الحيرة حافظوا على صور الحروف فيها ولم تتغيّر فبقيت الواو بدل الألف في كتابة (الرّبو) أعني: (الرّبا)، ومثلها (الصّلوة)، وهذا ما توصّل إليه الدّكتور غانم قدّوري الحمد في رسالته (رسم المصحف؛ دراسة لُغويّة تاريخيّة) ، وأورد على ذلك أدلّة ممّا رواه العلماء في هذا الشّأن، واختار هذه التّعليل راجحاً على التّعليلات الأُخرى لظاهرة كتابة الألف واواً، ورجّح أن يكون رسم الألف واواً من آثار الكتابة النّبطيّة الّتي استُخدِمَتْ في الحيرة.
وبعد أن عرضنا هذه التّعليلات لكتابة (الصّلوة) بهذه الكيفيّة في رسم المصحف، نرجو أنْ قد أزلنا الاستفهام الّذي يأتي في ذهن النّاس عندما يقرؤون القرآن الكريم، ولا نُرجّح -في هذه المقالة- أيّاً من هذه التّعليلات الأربعة، لأنّها -وإن كانت مُعتمدةً على مصادر تاريخيّة- لا تورثُ اليقينَ.
* * *
أخيرًا؛ ننصح القارئ الكريم بمراجعة المصادر الآتية حول الموضوع:
1. الألغاز النّحويّة، السّيوطيّ (ت 911هـ).
2. الإنصاف في الخِلاف، أبو البركات الأنباريّ (ت 577هـ).
3. تاريخ الكتابة العربية وتطورها، محمود حاج حسين.
4. جامع البيان في القراءات السّبع، أبو عَمرٍو الدّاني (ت 444هـ).
5. رسم المُصحف؛ دراسة لغويّة تاريخيّة، د. غانم قدّوري الحمد.
6. السّبعة في القراءات؛ ابن مُجاهد (ت 324هـ).
7. شرح شافية ابن الحاجب، الرّضيّ الإستراباذيّ (ت 686هـ).
8. كتاب العين، الخليل الفراهيديّ (ت 170هـ).
9. كتاب الكتّاب، ابن دُرُسْتَوَيْه (ت 346هـ).
10. كتاب المصاحف، ابن أبي داوود السّجستانيّ (ت 316 هـ).
11. اللُباب، أبو البقاء العكبري (ت 616هـ).
12. هجاء مصاحف الأمصار، المهدويّ (ت نحو 440هـ).
مثلاً: كُتِبَتْ (هؤلاء) هكذا مع أنّا تُنطقُ (هاؤُلاءِ)، وكلمة (أولئك) كذلك تُنطقُ (أُلائِكَ). ومثلُ هذه الكلمات كلمةُ (الصّلاة)، فإنّها مكتوبةٌ في المُصحف (الصّلوة).
وعندما ننظرُ في الوجهين (الصّلاة، الصّلوة)، نلحظُ أنّ مَوضِعَ الِاستِبدالِ هُو مَوضِعُ الأَلِفِ والواوِ، وهذا غَريبٌ أنْ يَتَساوى صَوتُ (الألف) مع صوت (الواو)، فكيف يمكننا أنْ نفهم هذه الحالة؟
نرجعُ إلى العُلماء الّذين بَحَثُوا في هذا الشّأن، ونرى أنّهم يتناولون هذا الموضوعَ في مَبحَثِ (تعليل ظَواهِر رَسمِ المُصحَفِ)، فنجد أنّهم ذكروا تعليلات لكتابة (الصّلوة) بهذه الكيفيّة، نذكر منها:
1. كتبوا (الواو) بدل (الألف)؛ لأنّ هذه الألف نُطِقَتْ بالتّفخيم كما عند أهل الحجاز، يعني نُطِقَتْ بصوت حرف /O/ باللُغة الإنجليزيّة، يعني: يكون صوت الألف مثل صوت (الواو) عندما ننادي أمّهاتنا بــ(يوم) باللهجة الدّارجة. وقيل إنّ أهل الحجاز كانوا ينطقون الألف هكذا.
2. كتبوا (الواو) بدل (الألف) في كلمة (الصّلوة) على الأصل؛ لأنّ أصل الألف في (الصّلاة) هو (واو). وقاعدتُها في النّحو أنّ الواوَ إذا تحرّكت وانفتح الحرفُ الّذي قبلَها تنقلبُ ألفاً. مثل (قالَ) أصلُهُ: (قَوَلَ)، فتحرّكت الواو، وانفتحت القاف قبلها فتنقلبُ الواوُ ألفاً، فصارتْ (قالَ)، ومثلها الفعل الماضي للصلاة، فإنّ أصل (صَلَّى) هو (صَلَّوَ)، فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت الواوُ أَلِفاً فصارت (صَلَّى).
بعد أن عرفنا السّببين المتقدّمين نذكر أنّ من العلماء من ذكر هذين السّببين تعليلاً واحداً لكتابة (الصّلاة) بالواو (الصّلوة)، فقال: كُتبت هكذا على لُغة مَن يُفَخِّمُ الألفَ التّي أصلُها واوٌ.
ولعلّنا نسألُ كيف يمكن تفخيم الألف في كلمة (الصّلاة)؟ وهل للحرف الّذي يسبقه (اللم) أثرٌ في ذلك؟ ففي الجواب عليه نقول: يمكن أن يكون الألف مفخّماً بسبب تفخيم اللام، ونحن في لهجتنا الدّارجة نسمعُ بعضَ النّاسِ يَنطِقونَ اللامَ مُفخّمةً ويَتْبَعُها الألف مُفَخّماً كذلك، وكان هذا النّطقُ قديماً، ورُوِيَ في طريقٍ من طُرُقِ رِوايةِ وَرشٍ (ت 197هـ) الّذي روى القراءةَ عن نافع المدنيّ (ت 169هـ) أحد القُرّاء السّبعة الّذين اختارهم ابنُ مُجاهِدٍ (ت 324هـ)؛ على أنَّ قِراءَاتِهِم هِيَ أشهرُ مِن غَيرِها في زَمانِهِ.
3. قيل إنّهم كتبوا (الصّلوة) هكذا وفقاً لإملاء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وهذا ما ذكره ابنُ أبي داوود السّجستانيّ (المُتوفّى 316 هـ)، قال: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ نُسْخَةِ كِتَابِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ: وَأَمْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فِيهِ: كَانَ (ك و ن)، وَحَتَّى (ح ت ا)، مِثْلُ (الصَّلَوةِ) بِوَاوٍ، وَ(الزَّكَوةِ) بِوَاوٍ، وَ(الْحَيَوةِ) بِوَاوٍ».
4. كتبوا (الصّلوة) بالواو بدلاً من الألف؛ لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الكتابةَ من أهل الحيرة، وكانت كتابة أهل الحيرة هكذا، ولعلّ الكتابة عند أهل الحيرة كانت موافقةً لما ينطقون، ويختلف أهل الحجاز عنهم في نطق بعض الأصوات، فعندما تعلّموا الكتابة من أهل الحيرة حافظوا على صور الحروف فيها ولم تتغيّر فبقيت الواو بدل الألف في كتابة (الرّبو) أعني: (الرّبا)، ومثلها (الصّلوة)، وهذا ما توصّل إليه الدّكتور غانم قدّوري الحمد في رسالته (رسم المصحف؛ دراسة لُغويّة تاريخيّة) ، وأورد على ذلك أدلّة ممّا رواه العلماء في هذا الشّأن، واختار هذه التّعليل راجحاً على التّعليلات الأُخرى لظاهرة كتابة الألف واواً، ورجّح أن يكون رسم الألف واواً من آثار الكتابة النّبطيّة الّتي استُخدِمَتْ في الحيرة.
وبعد أن عرضنا هذه التّعليلات لكتابة (الصّلوة) بهذه الكيفيّة في رسم المصحف، نرجو أنْ قد أزلنا الاستفهام الّذي يأتي في ذهن النّاس عندما يقرؤون القرآن الكريم، ولا نُرجّح -في هذه المقالة- أيّاً من هذه التّعليلات الأربعة، لأنّها -وإن كانت مُعتمدةً على مصادر تاريخيّة- لا تورثُ اليقينَ.
* * *
أخيرًا؛ ننصح القارئ الكريم بمراجعة المصادر الآتية حول الموضوع:
1. الألغاز النّحويّة، السّيوطيّ (ت 911هـ).
2. الإنصاف في الخِلاف، أبو البركات الأنباريّ (ت 577هـ).
3. تاريخ الكتابة العربية وتطورها، محمود حاج حسين.
4. جامع البيان في القراءات السّبع، أبو عَمرٍو الدّاني (ت 444هـ).
5. رسم المُصحف؛ دراسة لغويّة تاريخيّة، د. غانم قدّوري الحمد.
6. السّبعة في القراءات؛ ابن مُجاهد (ت 324هـ).
7. شرح شافية ابن الحاجب، الرّضيّ الإستراباذيّ (ت 686هـ).
8. كتاب العين، الخليل الفراهيديّ (ت 170هـ).
9. كتاب الكتّاب، ابن دُرُسْتَوَيْه (ت 346هـ).
10. كتاب المصاحف، ابن أبي داوود السّجستانيّ (ت 316 هـ).
11. اللُباب، أبو البقاء العكبري (ت 616هـ).
12. هجاء مصاحف الأمصار، المهدويّ (ت نحو 440هـ).