إن الآباء والأمهات يحدوهم الأمل في أن يجنوا ثمار غرسهم. الذي أنهكهم طول سنين وينظرون بعين الرجاء إلى أبنائهم لكي يردوا لهم الدين. الذي في أعناقهم، عندما يترك الزمن آثاره من وهن وضعف ومرض بعد مرحلة الشباب والقوة، ومن المعروف أن الإنسان عندما يمر في كل مرحلة من مراحل عمره يكون في هذه المرحلة مهام يتوجب القيام بها، وقد أسهم علماء الاجتماع وعلم النفس في فهم الكثير عن النفس البشرية وما تمر به في كل مرحلة من مراحل العمر وفي كل مجتمع. وعندما نتحدث عن الشيخوخة فإننا نتحدث عن مرحلة من العمر يصعب تحديدها بالأرقام. وإن كان لفظ المسن يطلق عادة على من تجاوز الخمسة والستين من عمره. فهذه المرحلة من العمر يكون المرء فيها قد جمع من الخبرات والتجارب في حياته الشيء الكثير. وهو يقف على أعتاب فترة من الانحدار البدني أو الذهني أو كليهما معاً. وفي هذه المرحلة من العمر يتوقع أن يأخذ المسن الحسنى مقابل سني العطاء الطويلة. فيتوقع أن يقابل بالعرفان والتقدير ممن أفنى حياته في خدمتهم. وفي الغالب تكون سلوكيات المسنين محكومة بظروف حياتهم عبر السنين وأنماط شخصيتهم. ولكن يمكن القول أن المسنين يصعب عليهم تقبل التغيير في أسلوب الحياة والأفكار والسلوكيات. وإن فرض عليهم الواقع. ذلك التغيير فإنهم يواجهونه بالرفض وعدم القبول وعدم القدرة على التكيف وبالتالي الشعور بالاضطراب أو القلق أو الخوف. وحتى الكآبة هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المسن يكون أقل استجابة وأبطأ في تفاعلاته. ومن ثم فإن الأمور التي تحتاج استجابة سريعة وجواباً أو عملاً سريعاً تكون صعبة عليه.
إن المسن في هذه المرحلة العمرية
يكون عادة بطيء الاستجابة لذا فقدرة المسن على التعبير عن مشاعره تكون أقل فيبدو بارداً قليل التفاعل لا يفرح بسرعة ولا يحزن بسرعة وقد يخلق ذلك حساسية لدى ذويه الذين لا يدركون هذه الخاصية فيتهمونه بعدم الاكتراث واللامبالاة، ولكن تجدر الاشارة الى أن التقدم الكبير في السن وضمور الفص الجانبي للدماغ يؤدي إلى التغيرات السريعة وغير العادية في المزاج، فمثلاً يبكي المسن بسرعة عند الحديث عن قريب أو صديق حصل له مكروه ولكنه لا يلبث أن يضحك عندما يكون هناك سبباً للضحك ولو بسيط وقد تكون هذه الخاصية من بطء الاستجابة وعدم القدرة على الإنفعال أو التفاعل السريع مثلبة في بعض الأحيان ولكنها في أحيان منقبة للكبار فهم لا يتهورون ولا ينفعلون ولا يستعجلون في مواجهة الأحداث بل يتروون ويتفكرون فتساعدهم في ذلك خبرتهم وتجاربهم الطويلة فتكون غالباً آراؤهم صائبة وقراراتهم صحيحة.
وفضلاً عن كل ما ذكرناه
هناك ثمة عوامل قد ساهمت في تقدم عمر المسن من الناحية النفسية والاجتماعية فمثلاً في المسن تحدث تغيرات جسدية سلبية كثيرة منها قد يضعف البصر ويقل السمع وتضمر العضلات فتقل القوة الجسدية وهذا النقص بالذات في الحواس المهمة مثل السمع والبصر يواكبه ازدياد الأمراض التي يمكن أن يصاب بها والمسنون نتيجة لذلك قد يحجمون عن الاختلاط والاجتماع وإذا ما توجب عليهم ذلك فإنهم يلتزمون الصمت إذ تحد من مشاركتهم ضعف السمع والبصر ناهيك عن عدم فهمهم لما يدور بين الجيل الجديد من حوارات وموضوعات، كذلك فإن عدم قدرة المسن على الرؤية الجيدة تجعله يخطئ في استعمال دوائه فيأخذ اكثر مما يجب أو أقل وفي هذا ضرر كبير على صحته، أما النوم فإن المسن تقل قدرته على النوم ساعات طويلة وبالتالي فهو ينام ساعات أقل في الليل ومما يروى أن مجموعة شباب ناموا مع شيخ كبير في بيت وكان هذا الشيخ قد بلغ الثمانين من عمره ومن المعروف أن الشباب ينامون بمجرد وضع أحدهم رأسه على الوسادة أما هذا الشيخ فما نام طول الليل، دائماً في أنين، في شهيق وزفير حتى صلاة الفجر، فقال له الشباب عند صلاة الفجر: لم تتركنا ننام البارحة فقال قصيدة يقول فيها: قالوا أنينك طول اللليل يزعجنا… فما الذي تشتكي قلت الثمانينا فضلاً عن ذلك فقد يعاني بعض المسنين الشعور الذاتي بعدم القيمة للحياة وعدم الجدوى منها والشعور بأن الآخرين لا يقبلونه ولا يرغبون في وجوده وما يصاحب ذلك من تصعيد وتوتر فقد يعيش بعضهم وكأنهم ينتظرون النهاية المحتومة.
قد نتساءل ما هي الحاجات التي يحتاجها المسنين؟ الحاجات التي يحتاجها هي الحاجات النفسية التي تجعله يعيش أماناً مع نفسه ومع الآخرين متحرراً من كل الضغوط النفسية ومن اهم هذه الحاجات هو الشعور بالأمن والتقدير والحاجة الى الشعور بالمحبة، أي إشباع الجانب الوجداني لكبير السن؛ فهو محتاج دائماً إلى أن يحب ويحب وأن يعترف به ويحس بانه ذو نفع للجماعة وأنها في حاجة إليه بما يؤدي إلى إحساسه بكيانه.