إنّ ما يمضي قدمًا بالإنسان في مسيرة القرب إلى الله هو العمل الصالح، والعمل الصالح هو العمل الذي فيه مرضاة الله، وهو حرث الآخرة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: “الْعَمَلَ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَة”[1].
وورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أنّه قَالَ: “إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتّى تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا حَتّى تُصَدِّقُوا، وَلَا تُصَدِّقُوا حَتّى تُسَلِّمُوا أَبْوَابًا أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا، ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ، وَتَاهُوا تَيْهًا بَعِيدًا، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَالْعُهُودِ، فَمَنْ وَفى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرْطِه، واسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِه، نَالَ مَا عِنْدَه، واسْتَكْمَلَ مَا وَعَدَه. إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدَى، وشَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ. وأَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ. فَقَالَ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[2].[3]
ويطلَق العمل الصالح في المصطلح القرآنيّ على العمل الطيّب والصالح في نفسه. الذي يقوم به الفرد بنيّة التقرّب إلى الله ونيل رضاه، فمثل هذا العمل الطيّب هو الذي يرتقي بالإنسان. ويتسلّق به سلَّم الكمال. ويسمّى هذا العمل في الثقافة الإسلاميّة والقرآنيّة “عبادة”.
ولا تطلق العبادة على الصلاة والصيام والحجّ وما شابهها فقط. بل إنَّ كلّ عمل صالح وحَسَنٍ في ذاته ويفعل بنيّة نيل رضى الله، سيكون عبادة، كما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال: “مِن أشدّ ما فرض الله على خلقه ذِكرُ الله كثيرًا، ثمَّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكنّ ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها”[4].
وبالتالي هذا المعنى هو المراد من العبادة في الآية الكريمة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[5]. إنّ الهدف المرسوم للإنسان هو القرب من الله، وما يرفع الإنسان إلى مقام القرب هو أعماله الصالحة، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[6].
الأعمال التي تقرّب من الله
إنّ الإيمان الكامل هو الذي يكون القلب معه لله وحده دون سواه، فتكون جميع تحرّكات هذا الإنسان إلهيّة، وعندها يصبح في أعلى درجات الاستعداد لاستقبال ألطاف الحقّ ومواهبه السنيّة.
أمّا الوسيلة الفضلى لنيل هذه الدرجة من الإيمان وتعميقها وترسيخها في القلب، فهي العمل الصّالح، ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾[7].
التربية الإيمانية، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص57.
[2] سورة طه، آية 82.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص445.
[4] المجلسي، محمد تقي، روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج12، ص74.
[5] سورة الذاريات، الآية 56.
[6] سورة فاطر، الآية 10.
[7] سورة طه، الآية 75.