آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
ما هو مكان الخوف، الرجاء، الحزن والفرح في التعاليم الإسلامية؟ وأيٌّ من هذه الخصائص والحالات النفسية مطلوب وحسن وأيها غير مطلوب وغير حسن؟
هذه تتمة محاضرة العلامة الشيخ مصباح اليزدي، والتي تبيّن أن الفرح والحزن والخوف مطلوبة في الإسلام ولكن ليس بشكل مطلق.
* مدح الحزن والخوف من الله
بعد أن قال أمير المؤمنين عليه السلام إن أحب العباد إلى الله تعالى عبداً أعانه الله على نفسه
قال عليه السلام إنّ هذا العبد هو مَن جعل الحزن شعاراً له. ولكن حزنه وهمّه هو على المقامات والدرجات التي لم يستطع الوصول إليها، وعلى الفرص التي كان يستطيع أن يستفيد منها بشكل أحسن وأفضل ولكنّه لم يفعل.
وهو عبدٌ تجلبب، أيضاً، بالخوف من الله وجعله لباسه الأساسي، فهو في خوف دائم من أن يصدر عنه ذنبٌ أو معصية عدم شكر ويتسبب بذلك في محو اسمه من بين العباد المخلصين والمحبوبين عند الله.
ولكن متى تحدث حالة الحزن عند الإنسان؟
يحدث “الحزن” عندما تسلب من الإنسان نعمة أو تطرأ عليه خسارة، أو إذا ارتكب عملاً سيئاً وكانت آثاره سيئة
أو إذا قال قولاً سيئاً تسبب في فضيحته أو خزيه، أو إذا خسر بعض الفرص أو سلبت منه نعمة. كل ذلك يحدث عند الإنسان حالة من الحزن والهم.
أما “الخوف” فإنه يكون من أمر سيحدث في المستقبل. والواقع، أن الحزن والخوف حالتان نفسيّتان متشابهتان، ولكن متعلّقهما الزمني متفاوت، أحدهما مرتبط بالماضي والآخر مرتبط باللاحق والمستقبل.
إنّ الخوف والحزن في حد ذاتهما، وبقطع النظر عن متعلّقهما، لا مطلوبان ولا مذمومان. وعندما وردت هاتان الصّفتان في كلام الأمير عليه السلام وذكر أنهما من الخصائص المطلوبة ومن صفات العباد الصالحين، فذلك لأن متعلّقهما أمر معنوي وأخروي. فالحزن من أجل الأمور الأخروية والخوف من الله والعذاب أمر مرغوب
وذلك لأنّه يعطي الهمّة والعزيمة للإنسان في العبادات وإطاعة الله والورع عن المحرمات، وفي النتيجة يساعد الإنسان على القيام بواجباته بشكل أفضل للاتجاه نحو طريق السعادة وحسن العاقبة.
* الحزن والخوف من الله في الآيات والروايات
ورد موضوع الخوف من الله في العديد من الآيات والروايات، ففي القرآن الكريم قال تعالى: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد﴾ (إبراهيم: 14). كذلك في بعض الآيات اعتبر الخوف من صفات العلماء كما في الاية 28 من سورة فاطر. ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.
أما الروايات التي تمدح الخوف والحزن وتؤكد على أهميتهما فقد ورد:
1ـ عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: “يا إسحاق خَفِ الله كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك“1.
2ـ عن محمد بن يحيى. عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: “من خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء، ومن لم يَخَفِ الله أخافه الله من كلّ شيء“2.
3ـ قال الصادق عليه السلام قرأت في كتاب جدّي علي بن أبي طالب عليه السلام: “المؤمن يقضي ليله ونهاره بالحزن“3.
* فلسفة مدح الحزن والخوف
استناداً إلى رأي علماء النفس، يعتبر الخوف نوعاً من أنواع الأمراض. الأطباء أيضاً يرون أن السبب الرئيس في الكثير
من الأمراض الجسدية هو الخوف. ففي بحوث العلوم النفسية والتربوية وفي الثقافة العامّة للمجتمعات البشرية
كثُرت المساعي لإيجاد النشاط والحيوية بوجه القلق، والاضطراب. والخوف الذي يعتبر من الحالات المتصدية للرّاحة النفسية وذلك بإقامة المهرجانات والحفلات المفرحة.
والآن يطرح سؤال مهم وأساس وهو: لماذا قام الإسلام بمدح الحالات المذمومة عند البشر كالحزن والهمّ والخوف وحثّ أتباعه على الوصول والارتقاء إلى هذه الحالات؟ ولم يكتفِ بذلك. بل وذم الفرح والسرور حيث قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص: 76).
لعلّ وصايا الإسلام المتكرّرة للوصول إلى حالات الحزن والهمّ. تثير عند الذين لم يتعرّفوا إلى المفاهيم الإسلامية، السؤال التالي: لماذا ينص الإسلام الذي يعرّف نفسه بأنّه دين الفطرة على هذه الصفات المذمومة وغير المرغوبة؟ لماذا تنبذ التعاليم الإسلامية الضّحك الذي يعتبر انعكاساً للفرح والسرور وفي المقابل يحثّ على البكاء والذي يُعدّ انعكاساً وتعبيراً عن الخوف والقلق؟
في الجواب عن هذه الشبهة نقول:
إنّ الديّن الإسلامي هو دين كامل وجامع قد شمل وعمَّ كل الأبعاد الوجوديّة. وجوانب الحياة لدينا. وبناءً على تعاليم هذا الديّن نعتقد بأنّ أيّاً من القوى الجسمانية، الذهنيّة، النفسيّة، المعرفيّة. أو الشهوات والحالات عند الإنسان لم تُخلق عبثاً ولا لغواً وليس فيها ضرر. هذه الأمور فطريّة وغريزيّة. وإذا استُعملت بشكل صحيح تكون سبباً لتكامل الإنسان. وأما الضّرر الناتج من هذه القوى فسببه هو عدم استعمال هذه القوى بالشّكل الصحيح.
لذا، إنّ حالات كالسّرور، الحزن. الخوف وحتى الاضطراب تستطيع أن تكون مفيدة للحياة الدنيوية. لدى الإنسان كما وأنها تستطيع أن تؤثّر في مسير الكمال والسّعادة الأخروية.
بناءً عليه. وعلى أساس قاعدة أساسية في الإسلام. أودع الله تعالى بحكمته بعض القوى والحالات والشهوات والغرائز في الإنسان بحيث تكون مفيدة عندما يقوم الإنسان بإشباع هذه الحاجات بل قد يكون ذلك واجباً أحياناً.
إذاً لا نستطيع أن نعتبر أيّاً منها لغواً محضاً وضرراً؛ لأنّ القيام بالأفعال اللّغوية والعبثية لا يتناسب مع حكمة الله جلّ وعلا.
* بعض فوائد الخوف من الله
على الرغم من تنوع اتجاهات علماء النفس المادية فقد ذكر آثار وفوائد عديدة للخوف من الله في الآيات والروايات ونشير إلى مثالين منها:
1ـ الأمان والاطمئنان في الجنّة
أحد آثار وثمرات الخوف من الله وخشية الطغيان هو الفوز بجنّة الله مع الأمان والإطمئنان فيها. لأن الذي احترم قوانين الله وحدود أحكامه في الدنيا، وبناءً على عواقب مخالفة الأحكام الإلهية سلك طريق الطّاعة واتباع المعبود، كانت خاتمته السعادة الأبدية والحصول على الجنّة والشّعور بالأمان والاطمئنان فيها.
قال الله تعالى ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ (النازعات: 40 ـ 41). كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جملة من وصاياه لأبي ذر الغفاري (رض): “يقول الله تعالى: إنّي لا أوفر لعبدي خوفين وأمانين، إذا كان في أمان منّي في هذه الحياة، سأخيفه في الحياة الأخرى. إذا كان خائفاً منّي في هذه الحياة، سأجعله آمناً يوم القيامة“ 4.
2ـ غفران الذنوب
إنّ الإنسان يكون في حالة من حالتين في مواجهة الذنوب والمعاصي.
أ ـ لا يخاف من نتيجة الذنب وعاقبته عند المعصية، ويتزوّد من ملذّات تلك المعصية بكل أمان واطمئنان نفسي. هذه الحالة تجرّ الإنسان إلى الهاوية والعقاب الإلهي.
ب ـ أن يكون الإنسان خائفاً من الله عند المعصية وفزعاً من عاقبته، ويخاف أن لا يوفّق للتوبة قبل الموت. هذه الخشية والخوف عند ارتكاب المعصية تخفف لذّة المعصية وفي النهاية توجب التوبة وغفران الذّنوب. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله لأبي ذرّ: تُعرض معاصي العبد المؤمن يوم القيامة عليه، فيقول بأنّي في الدّنيا كنت خائفاً من نتيجة أفعالي، في النتيجة تغفر ذنوبه.
1.أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 68.
2.م. ن.
3.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 71.
4.م. ن، ج77، ص81.