الأستاذ علي الشاب
عندما تنظر إلى عائلة من عوائل بلادنا تنتشر في حقل زيتون لتجني ثماره من صغيرها الملفوف بالسرير
إلى كبيرها المحفوف بالتقدير. تعرف معنى البركة التي وصفها الله بها وكرّمها بأن أعطاها قبسًا من نوره الذي يضيء ولو لم تمسسه نار. وتدرك حقائق وجودية تمس حياة الإنسان على هذه الأرض، الأرض التي وضع الله فيها ما ينفع الناس. وعندما تركوها بسبب السياسات الاقتصادية المنحرفة والنفس البشرية الأمّارة بالسوء غادرتهم البركة.
ولأنها الشجرة المباركة فقد وقفت على عقبها تنتظر بصبر عودة أبناءها الذين ضلوا الطريق، ذارفة دمع زيتها لتغذي كجمل ظمأ جسدها للعناية والاهتمام، وتحلم بيوم تعود فيه العوائل لتجتمع حولها وتلم شملها في محراب النور، وباتت حقولها لا تداس من كثرة الهشير وتزاحم عليها الإسمنت فحوّلها حطبًا مهملًا، وعندما أراد تكريمها جاء كما فعل بكل المقدسات فجعلها تحفة للزينة أمام القصور، وعندما انهار كل زيف السياسات الاقتصادية والمالية وكل زخرف الصناديق الداعمة وبهارج الدول التي زينتها نفض زيتون قرانا غبار الزمن الرديء، واهتز وربى كأنه تلقّى أمرًا مقدّسًا بأن ذكّر عبادي بأني قريب.