Search
Close this search box.

معنى أن نعدل بين أبنائنا؟

معنى أن نعدل بين أبنائنا؟

إنّ الإنسان مفطور على حبّ أطفاله. ويعدّ هذا الحبّ أمراً طبيعياً في كلّ إنسان. ولهذا الحبّ مراتب ودرجات تختلف شدّة وضعفاً.

وبناء على ذلك: عندما نتحدّث عن العدالة التربوية.

هل المقصود هو العدالة في الحبّ والعاطفة أم العدالة في السلوك والعمل؟
 

والجواب عن هذا السؤال متوقّف على بيان مقدّمة منهجية متعلّقة ببيان الفارق بين أمرين:
1- أفعال القلوب.
2- أفعال الجوارح.

أمّا بالنسبة إلى أفعال القلوب: ليس كلّ أفعال القلوب واقع تحت قدرة الإنسان واختياره وإرادته الحرّة، وكمثال على ذلك العدالة بين النساء حال تعدّد الزوجات، حيث أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾[1]. وقد سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق عليه السلام عن معنى الآية، فقال عليه السلام: “يعني في المودّة”[2].

وبناء على ذلك: التمييز في المشاعر القلبية قد يخرج عن سيطرة الإنسان وإرادته. فيحبّ طفلاً أكثر من طفل إمّا لسبب معلوم كأنّ يكون الطفل متميّزاً. أو لسبب مجهول كأن يُلقَى في قلبه محبّة طفل بنحو أشدّ من طفل آخر. وأفعال القلوب ليست دائماً اختيارية من قبل الإنسان، وليس مأموراً بالعدالة في أمر ليس دائماً واقعاً تحت الاختيار.

أمّا في أفعال الجوارح: والتي يقصد فيها المعاملة الفعلية، فإنّه مأمور بالعدالة فيها لأنّها واقعة تحت اختيار الإنسان. فالمطلوب هو أن يكون سلوك المربّي عادلاً مع أطفاله بمعنى عدم التمييز بينهم من الناحية العملية، فلا يظهر ذلك في سلوكه وتصرفاته، لأنّ إظهار التفضيل السلوكيّ في هذا المقام يولّد الحسد بين الأخوة فضلاً عن كونه يورث العداوة والبغضاء، كما عبّر الشهيد الثاني في تعليل كراهة تفضيل بعض الأبناء على بعض حيث قال: “… لأنّ التفضيل يورث العداوة والشحناء بين الأولاد كما هو الواقع شاهداً وغابراً، ولدلالة ذلك على رغبة الأب في المفضَّل المثير للحسد المفضي إلى قطيعة الرحم”[3].

وهذا ما تُلمّح إليه قصّة النبيّ يوسف عليه السلام، حيث إنّ ظنّ واعتقاد أبناء النبيّ يعقوب عليه السلام أنّه يُفضّل يوسف عليهم جعلهم يتآمرون عليه ويكيدون له كيداً، قال تعالى في حكاية ذلك: ﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾[4]. مع الإشارة إلى أنّ النبيّ يعقوب عليه السلام لم يتصرّف على خلاف مقتضى العدل والإنصاف في تربية أولاده، وإنّما كانت من باب العطف عليهم لكونهم صغاراً وضعافاً، إلاّ أنّه لجهل أبنائه الآخرين وضعف نفوسهم وحسدهم صنعوا ما صنعوه مع أخيهم يوسف عليه السلام. لأنّ النبيّ يعقوب عليه السلام لم يتعامل مع يوسف وأخيه بنيامين الطفلين إلاّ بمنطق الطفولة.

وفي هذا السياق نُلاحظ أنّ الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال والدي: “والله إنّي لأصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأُكثر له المحبّة، وأُكثر له الشكر، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلّا يصنعوا به ما فعل بيوسف وإخوته وما أنزل الله سورة يوسف إلا أمثالاً لكيلا يحسد بعضنا بعضاً كما حسد بيوسف إخوته، وبغوا عليه”[5].

وتجدر الإشارة إلى أنّه حتّى لو صدر عن طفل ما أفعال عدّة غير مرغوب بها، ينبغي أن لا تصل الحالة الشعورية للأب أو الأمّ تجاه الطفل إلى درجة كراهته أو بغضه، بل يبغض عمله كما تشير الروايات الواردة في هذا السياق، منها: عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: “إنّ الله يُحبّ العبد ويُبغض عمله، ويُبغض العبد ويُحبّ عمله”[6].

التربية الإسلامية للطفل، دار المعارف الإسلامية الثقافية

[1] سورة النساء، الآية 129.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص363.
[3] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج6، ص28.
[4] سورة يوسف، الآيات 7-9.
[5] العياشي، تفسير العياشي، ج2، ص166.
[6] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص411.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل