Search
Close this search box.

معالم مدرسة الشهيد سليماني ” المعنوية “

معالم مدرسة الشهيد سليماني " المعنوية "

المعنوية[1] هي العنصر الأساس في الدين، وتعد العنصر المحدّد للعلاقة الخاصة بين الإنسان والله تعالى. تَعتبر الروحانية الإسلامية الإنسانَ لائقًا لنيل مقام القرب الإلهي.

في 14 خرداد 1390 [04/06/2011]، وفي الذكرى الثانية والعشرين لارتحال الإمام الخميني، قال الإمام الخامنئي: «لم يكن إمامنا الكبير يطوي طريقه بالاعتماد على العوامل المادية والظواهر المادية وحسب، كان من أهل الارتباط بالله تعالى، من أهل السلوك المعنوي، من أهل الإقبال والتذكر والخشوع والذكر، وكان يعتقد بالمدد الإلهي. كان أمله بالله تعالى أملًا لا نهاية له».

يقول سماحته في تلك الخطبة نفسها: «كان مظهر المعنوية في الإمام، إخلاصه في الدرجة الأولى. كان الإمام يؤدي عمله من أجل الله تعالى. منذ البداية كان يقوم بكل ما يراه تكليفه الإلهي… لم يتكلم، ولم يعمل، ولم يقدم على شيء من أجل أن يمدحه أو يمجّده هذا وذاك… كان الإمام يأمرنا بأن نكون من أهل التوكل، ومن أهل الثقة بالله تعالى، ومن أهل حسن الظن به تعالى، وأن نعمل من أجل الله تعالى. هو نفسه كان من أهل التوكل، من أهل التضرع، من أهل التوسل، من أهل الاستمداد بالله تعالى ومن أهل العبادة… شطر عظيم من الروحانية في الإسلام هو الأخلاق، واجتناب الذنوب، اجتناب التهمة، اجتناب سوء الظن، اجتناب الغيبة، اجتناب سوء السريرة واجتناب التفريق بين القلوب. كان الإمام الكبير نفسه يراعي هذه الأمور، وكان يوصي الناس بها، كما يوصي المسؤولين بها».

في 14 خرداد 1383 [03/06/2004]، قال قائد الثورة العالم والحكيم في مراسم إحياء الذكرى الخامسة عشرة لارتحال الإمام الخميني: «كانت حركة الإمام من أجل سعادة البلاد والشعب، قائمة على أساس هداية الشريعة الإسلامية، لذا فبالنسبة للإمام، كان التكليف الإلهي يعد مفتاح السعادة، وكان يوصله إلى أهدافه المبدئيّة الكبرى».

لكلّ هذه المعالم المعنوية في مدرسة الشهيد الحاج قاسم سليماني تجلّ عملي.

وعندما نقول: إن الروحانية والمعنوية موجودة ومتجلية في مدرسة الإمام الخميني، فإنّ الحاج قاسم سليماني الذي هو تلميذ مدرسة الإمام، والذي كان يعشق الإمام الخميني، ويعد نفسه تابعًا لنهج الإمام وفكره وخطّه ومبادئه وقيم الثورة الإسلامية، كان التعبد والالتزام والتقوى والتواضع والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والإخلاص والتوسل والتضرع ومحورية الولاية والتكليف [لديه]، ينثر عطرَ الروحانية مصحوبًا بصبغة محورية الله تعالى، في أرجاء مدرسته، لتمطره براعم عبوديّته، هو وداعميه وأتباع مدرسته، بالأزهار.

على شهادته تشهد السجادةأنّ عمله كان الدعاء والبكاء، أمّن يُجيب والعبادة

يقول القائد محمد رضا فلاح زاده: «كان الحاج من أهل صلاة الليل. في ثكنة نصر في مدينة حلب وفي ثكنة ثار الله في مدينة البوكمال، كان يعكف دائمًا على صلاة الليل قبل صلاة الصبح بساعة. سمعت ذات ليلة نشيج بكائه في ثكنة نصر. فتحت الباب. رأيته قانتًا في صلاة الوتر. كانت عينا الحاج تفيضان بالدموع كأمطار الربيع ما إن يسمع ذكر مصائب أهل البيت (عليه السلام)، وسيد الشهداء (عليه السلام)، وخاصة أم أبيها السيدة الزهراء المرضية (عليها السلام). كان من أهل الدعاء وزيارة المعصومين وتلاوة القرآن»[2].

يقول السيد شهرياري، قائد كتيبة في فيلق ثار الله (عليه السلام) أثناء

حرب الثماني سنوات المفروضة: «ذهب إلى قصر الكرملين، وكان لديه موعد مع بوتين. ما إن وصل رئيس روسيا حتى حان وقت الأذان. نهض الحاج. أذّن وأقام. جال صوته في الصالة. ثم وقف للصلاة. كان الجميع ينظر إليه. كان يقول: طوال عمري لم أستمتع بصلاتي كهذه المتعة. وضع جبهته بعد الصلاة على التربة، وقال مخاطبًا ربه: إلهي! كانت هذه كرامتك. لقد كانوا يومًا يحيكون في قصر الكرملين [هذا] المؤامرات للقضاء على الإسلام، والآن، ها أنا قاسم سليماني أتيت إلى هنا وصليت»[3].

من كان استغراقه في الروحانيات سارت مشاكله نحو السعادات

يقول القائد كريم نصر، قائد لواء قمر بني هاشم (عليه السلام): «في اليوم الثالث من عمليات «والفجر 4»، التي كنا فيها مشتبكين [مع العدو] بشدة، واجتمعنا في الخندق التكتيكي لثكنة كربلاء، لكي نرى كيف يمكننا إحداث الثغرة الضرورية في خطوط العدو، بلغنا وقت صلاة الظهر. فجأة وبعد الصلاة، دخل علي فدوي الخندق على عجل.

وكان حينها مسؤول معلومات العمليّات في ثكنة حمزة سيد الشهداء، تربًا، مدمًى، مضطربًا بشدة، وباكيًا، وأخبر بأنه داس وقائد الثكنة علي رضاييان، على لغم واستشهد الحاج علي… قلب خبر شهادته المفاجئ أحوال الجميع. أحمد كاظمي، الحاج همت، حسين خرازي، السيد رحيم وقاسم سليماني والآخرون الذين كانوا في الخندق؛  جميعًا يبكون. كان ذلك بعد صلاة العصر، وأثناء البكاء الطاهر للأصحاب، شرع الحاج قاسم فجأة، بصوت مؤثّر وحزين، بقراءة دعاء تعقيبات صلاة العصر: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوم... كان يقرأ ويبكي بحرقة شديدة، بحيث إنّ الخندق أخذ يهتز من وقع بكاء القادة وعويلهم، الذين كانوا ينتظرون أجواءً كهذه»[4].

لا جرم أن الشهيد سليماني أخذ هذا الحب وهذه الروحانية والإخلاص عن إمامٍ كتب في وصيته: «أوصي أبناء الشعب الإيراني العزيز أن يثبتوا على هذا الصراط الإلهي المستقيم، الذي لا يتبع الشرق الملحد ولا الغرب الظالم الكافر، بل يتبع الصراط الذي حباهم الله تعالى إياه، وأن يستمسكوا به بشدة ويلتزموا به ويصمدوا عليه، وألا يغفلوا لحظة عن شكر هذه النعمة، وألا يسمحوا للأيادي النجسة للقوى العاتية، سواء عملاء الخارج أم عملاء الداخل الذين هم أسوأ من الأجانب، أن توهن عزيمتهم الطاهرة وإرادتهم الحديدية، وليعلموا أن كل الضجيج الذي تثيره وكالات الأنباء العالمية وقوى الغرب والشرق الشيطانية، فإنما هو دليل على قوّتهم الإلهية، وإن الله تعالى سيؤتيهم أجرهم في هذا العالم وفي العوالم الأخرى».

يؤيد الإمام الخامنئي هذه الحقيقة، ويقول في 18 دى 1398 [08/01/2020]: «كما كان الشهيد سليماني شجاعًا فقد كان مدبّرًا أيضًا… كان لكلامه أثر، وكان مقنعًا ويحدث أثرًا. والأسمى من كل هذا كلّه، كان إخلاصه. كان مخلصًا. كان يستخدم أداة الشجاعة وأداة التدبير هذه من أجل الله تعالى، ولم يكن من أهل التظاهر والرياء وما شابه».

يقول سماحته أيضًا في 27 دى 1398 [17/01/2020]: «حيثما كان الإخلاص فإنّ الله تعالى يبارك إخلاص عباده المخلصين، فيغدو العمل مباركًا، وينمو ويكبر. ويصبح العمل بنحو تصل معه آثاره إلى الجميع، وتبقى بركاته بين الناس. ومنشأ هذا هو الإخلاص. ثمرة هذا الإخلاص محبة الناس ووفاء الناس هذا، عشق الناس وآهاتهم هذه، حضور الناس هذا، وهذا الإحياء لروحية الناس الثورية. لكن، أن نأتي ونقوّم هذه الحوادث ونؤتيها حقها ونقدّرها ونرى ما هو حجم هذه الوقائع وقيمتها؛ فإنّ هذا الأمر ممكن في حال لا ننظر فيها إلى الحاج قاسم سليماني -الشهيد العزيز- … على أنه فرد…، بل على أنه مدرسة. علينا أن ننظر إلى شهيدنا القائد العزيز بأنه مذهب، نهج، مدرسة نتعلم منها، بهذه العين علينا أن ننظر إليه. آنذاك ستتجلى أهمية هذا الأمر».

عظمة القائد سليماني وجلال مدرسة سليماني كانا بإخلاصه. مظهر معنوية هذا الشهيد الكبير كان في الدرجة الأولى إخلاصه. لم يكن يأبه لمدح الناس. كان يسعى لما يريده الله تعالى منه. أن يرى الآخرون أو لا يروا، أن يعلموا أو لا يعلموا، أن يمدحوا، أن يُسرّوا، لم يكن يهمه كثيرًا.

ليس من أهل الأرض، من كان متواضعًا مثلك لم تأتِ أبدًا على ذكر نفسك على لسانك

يقول السيد جواد رزم حسينى: «كان يعيش في نجف آباد جريح تزيد نسبة جراحه عن 70 في المئة، وكان مقطوع النخاع. كان القائد سليماني قد نذر بأن يقضي يومًا كاملًا كل عام في خدمة هذا الشخص (السيد توبه اى ها)، وأن يؤدي له أعماله. كان يغسل في ذاك اليوم ملابس هذا الجريح، ويغسل بدنه، ويقوم كالممرض بكل أعماله الشخصية»[5].

يقول الإمام الخامنئي في 18 دى 1398 [08/01/2020] لدى لقائه أهالي قم: «في الاجتماعات التي عادة ما كانت تعقد مع جميع المسؤولين المعنيين بمهمته -اجتماعات رسمية عادية- كان الحاج قاسم يجلس في زاوية بحيث لم يكن يُرى أبدًا. أحيانًا كنا نحتاج إلى معرفة أمر أو الاستشهاد على أمر، فكان يجب أن

نبحث عنه حتى نجده. لم يكن يستعرض نفسه أمام الأعين، لم يكن يتظاهر».

روحانية الشهيد سليماني وإخلاصه مستقيان من إخلاص معلمه وأستاذه وقائده ومقتداه الإمام الخميني. يقول الإمام الخامنئي في 4 اسفند 1371 [08/03/1993]: «درجة الإخلاص الرفيعة هي أن… لا يكترث أبدًا للناس، علموا أم لم يعلموا، رضوا أم لم يرضوا. أن ينظر [الإنسان] إلى ما أراده الله تعالى منه وينفذه بدقة. لقد شاهدت هذه الخصلة وهذه الروحية مرات كثيرة في الإمام (قدس سره). شاهدت، أنا العبد، هذه الخصلة فيه. لم يكن يهتم؛ رضي الآخرون أم سخطوا. كان يؤدي تكليفه».

[1] بالفارسية: معنويت، وقد ترد في ترجمات أخرى بمعنى الروحانية.
[2] مكتب حاج قاسم [مدرسة الحاج قاسم]، ص 77.
[3] المصدر السابق، ص 199.
[4] اين مرد پايان ندارد [هذا الرجل لا تنقضي عجائبه]، ص 67 و68.
[5] ویژه نامه اطلاعات [العدد الخاص بصحيفة اطلاعات]، 24 بهمن 1398، ص 19>

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل