الصدق من أعظم الأخلاق التي طرحها القرآن على الإطلاق، فهذا الخُلق العظيم الذي قلّ أن يتّصف به إنسان إلّا وقد حسُنتْ أخلاقُه، فهو من الصفات التي تقوم عليها كثيرٌ من الأخلاق، كما أشرنا إليه.
وقد تحدَّث القرآنُ العظيم عن موضوع الصدق بأساليبَ عدّة، وعالجه من جوانبَ شتّى، وما ذلك إلّا لأهمّيّته.
وبتتبّع آيات القرآن الواردة في هذا الموضوع، نستخلص مجموعةً من المسائل، أذكر منها الآتي:
1- الصدق من صفات الله:
قال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[1]، وقال: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا﴾[2]، وقال: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً﴾[3]، وغير ذلك من الآيات.
2- الصدق من صفات الرسل:
من أعظم صفات الرسل الصدقُ، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِياًّ﴾[4]، وقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّ﴾[5]، وقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِياًّ﴾[6]، وقال: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾[7].
3- الصدق من صفات عباد الله المؤمنين:
وصَف الله تعالى عباده المؤمنين بصفات عديدة، وخِصالٍ حميدة، مِن أعظمِها صفة الصدق، قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً﴾[8]، وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[9].
4- الصدق جامع كلِّ صفات البِرّ:
قال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[10]، وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ فقد أطلق الصدق ولم يُقيّده بشيءٍ من أعمال القلب والجوارح، فهم مؤمنون حقّاً، صادقون في إيمانهم. وهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل، فإنّ الصدق خُلق يصاحب جميع الأخلاق، من العفّة والشجاعة والحكمة والعدالة وفروعها. فإنّ الإنسان ليس له إلّا الاعتقاد والقول والعمل. وإذا صدق تطابقت الثلاثة، فلا يفعل إلّا ما يقول ولا يقول إلّا ما يعتقد. والإنسان مفطور على قَبول الحقّ والخضوع له باطناً، وإن أظهر خلافه ظاهراً. فإذا أذعن بالحقّ وصدق فيه. قال ما يعتقده، وفعل ما يقوله، وعند ذلك تمّ له الإيمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح[11].
5- تقسيمُ القرآن الناسَ إلى صادق ومنافق:
قال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾[12]، فدلّتِ الآيةُ على أنَّ الناس صنفان: صادقون ومنافقون. والإيمان أساسه الصدقُ، والنفاق أساسه الكذبُ، فلا يجتمع كذبٌ وإيمان إلّا وأحدُهما محارِبٌ للآخر.
والمراد بالصادقين في القرآن: هم الذين أثبتوا صدقهم وإخلاصهم في ميادين حماية دين الله، والجهاد، والثبات والصمود أمام المشاكل، وبذل الأرواح والأموال، كما تقدّم في سورة الحجرات.
6- عِظَم جزاء أهل الصدق:
لقد وعَد الله الصادقين بأعظم الجزاء، وأفضل الثواب. وما ذلك إلّا لعِظَم هذه الخَصلة التي تحلَّوْا بها. والصفة التي اتّصَفوا بها.بل إنّ اللهَ جعَل مرتبة الصِّديقين بعد
كُن صادقاً، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة آل عمران، الآية 95.
[2] سورة النساء، الآية 122.
[3] سورة النساء، الآية 87.
[4] سورة مريم، الآية 41.
[5] سورة مريم، الآية 54.
[6] سورة مريم، الآيتان 56 – 57.
[7] سورة يوسف، الآية 46.
[8] سورة الأحزاب، الآيتان 23 – 24.
[9] سورة الحجرات، الآية 15.
[10] سورة البقرة، الآية 177.
[11] الطباطبائيّ، محمّد حسين: تفسير الميزان، ج1، ص 430، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة.
[12] سورة الأحزاب، الآية 24.